رسائل في خط التجربة
معرض الكتاب القطيفي الثاني ...
هي المرة الأولى التي أتشرف فيها بحضور معرض الكتاب القطيفي في نسخته الثانية، والذي تعدّه وتنفذه لجنة الإمام الجواد، بالقطيف – الشويكة. إذ لم أوفق لحضوره في العام المنصرم - للسفر - وإن كنت متابعاً لأخباره عبر الشبكة العنكبوتية، والأصدقاء الكرام. وعلى هامش معرض هذا العام المنعقد في الفترة من 15 – حتى 18 شعبان 1431هـ، تراءت لي ثلاث رسائل وصور وأنا أتجول بين محتوياته أعرضها من بوابة (التواصي في الخير وإلى الخير)، وتأتي بمثابة قراءة في خط التجربة وهي:
يدرك المشتغلون بأمر الكتاب على مستوى القراءة أو التأليف، الأهمية الكبرى لمثل هذا النشاط الحيوي، نظراً لما يمثله من نقلة نوعية على صعيد تفعيل الكلمة، وتأصيل حركتها في المجتمع باعتبارها خياراً حضارياً تعرّف بثقافة الذات وحضارتها، وتتعرف بها على الثقافات الإنسانية المختلفة، لتستمر جذوة التواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان عبر أرقى الأدوات وأنبل السبل والآليات ( الكتاب ).
وإدراكاً لهذه القيمة فإن الدور المنوط بالمثقف والمهتم بشؤون الكتاب، يتجاوز في مداه ما هو مطلوب من بقية أفراد المجتمع، باعتبار أن حركة الكتاب هي جزء أصيل من مكونات شخصيته الذاتية والاجتماعية، فهو بشكل مباشر أو غير مباشر معني بدعم أي فكرة أو مشروع يصب في البناء الثقافي والمعرفي بشكل عام، وهي هنا بمستوى أعلى لخصوصيتها المنطلقة من حيز منتجه الثقافي المحلي والذي يعتبر نفسه واحداً من عناصره المكونة.
وكون مشروع المعرض قد خصص للكتاب القطيفي – كما تقدم - فإن درجة الحضور والتواجد تأخذ درجة أهم وليس مهم على سلم الأولويات، تبعاً لما يعكسه هذا التواجد لمكتسبات ونتائج غير خفية على المطلع بما تتيحه من فرصة ثمينة لتبادل النقاش والحوار مع كتاب ومؤلفين على هامش المعرض، كما يعرفه على آخر الإصدارات على صعيد المنتج الثقافي القطيفي والتي لم تتح له فرصة التعرف عليها أو السماع دون الإطلاع، كما قد تعرفه على آليات النشر( صحف ، مجلات ودوريات، إنترنت )، ناهيك عن خوض غمار تجربة الطباعة وطريقة التوزيع .... الخ، وهذه الآليات من غير شك تعتبر من أهم خطوات تدوير المنتج الثقافي التي ينبغي أن تستحضر وبقوة عند الممارسة التي نحن بحاجة ماسة إليها والتي يوفرها المعرض بشكل عفوي وتلقائي باعتبارها هدفاً من أهدافه غير المكتوبة. وحال تعذر الحضور لسبب أو لآخر فهو معني بأن يكون لسان صدق يحفّز الآخرين للحضور والمشاركة والدعوة لتقديم الفكرة الناضجة، والنقد البناء آملاً تجاوز العقبات وتدعيم مكامن القوة والنجاح، من هنا فالموقع والدور الذي يحمله المثقف والكاتب يتعدى مسألة الهواية أو النشاط الحر الذي يقوم به وقت الفراغ فيتساوى الحضور من عدمه، بل هي مسؤولية غير منفصلة عن الأهداف العليا التي يبشر بها المثقف في وسطه الاجتماعي منطلقاً من موقع أنه بمثابة المساحة الخضراء الممرعة الصالحة لملء الفضاء بأكسجين المعرفة الذي يتجاوز في حراكه وفاعليته مثقف الظل والمشاهدة.
المساحة التي يشغلها الأب / الأم لدى الابن ليست بالصغيرة كما يتصور البعض، بل هي ذات تموجات تظهر بفعل مثير هنا ومحرك هناك، وهذا عائد في الأساس لما يمثله الأب / الأم، من مثل أعلى وقدوة حسنة يبصرها الأبناء. فحضور الأب / الأم برفقة الابن (صغيراً / مميزاً) لمثل هذه الفعاليات ستقدم خبرة معرفية وتجربة سلوكية تتراكم عبر الزمن لتشكل في نهاية المطاف على أقل التقادير حالة من السلم والمسالمة مع الكتاب ومن ثم المطالعة لدى شريحة واسعة من أبناء الجيل الناشئ، خصوصاً وبالفعل المستمر لمثل هذا السلوك سيحتفظ (الابن / البنت) في ذاكرته البصرية صوراً لهذه المعارض، وأرشيفاً ضخماً لخطوط وأشكال وألوان أغلفة وعناوين بحوث ودراسات متعددة تنمي لديه جانباً مهماً من الحس والذائقة الفنية.
كما ستسجل ذاكرته أسماء كتاب ومؤلفين ليسوا ببعيدين عنه مكاناً فهو يلتقي بالنموذج (المؤلف / المؤلفة) الذي يعرفه من خلال أبيه أو أحد أصدقائه سواء في البيت أو الطريق، أو المسجد، أو المكتبة، أو السوق، وسائر الأماكن العامة مما يعني عدم الفصل لدى المتلقي (الابن / البنت) بين الواقع والتطبيق، ففي الوقت الذي يقرأ اسم (فلان المؤلف / المؤلفة)، فهو يقرأ مع هذا الاسم تجربة وخبرة عملية وليست نظرية وهذا مهم في نطاق التربية بالقدوة، مما يجعل من مجموع هذه الخبرات جزءاً حيوياً لرافد من روافد الخبرة السلوكية ضمن سياقات التنشئة الاجتماعية، فأبناء اليوم هم وليس غيرهم آباء الغد، وكما ورد عن الإمام الحسن عليه السلام في وصيته لأبنائه: "أنتم صغار قوم، يوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين"، وهذا يعني تهيئة المناخات الملائمة والبيئة الصحية لتربية جيل مثقف مدرك وواعٍ لأهمية المشاركة ضمن خط إنتاج الكتاب قراءة وتأليفاً ونشراً.
قيمة وحيوية الأفكار أنها تبدأ صغيرة لا تلبث أن تنمو وتزدهر، فهي ضمن حركة جوهرية دائمة ومستمرة تنتقل من حالة ضعف إلى موطن قوة، وهذا شأن أي مشروع يأخذ طريقه في ساحة العمل بين الناس وإلى الناس. وتجربة كهذه هي بحاجة ماسة لعنصر الصبر، وطول البال، ومد جسور التواصل مع بقية اللجان للانطلاق في التجربة من حيث انتهى الآخرون، وكذلك استقطاب الرؤى من لدن الفئات المختلفة، وذلك بغية مشاركتها في عقولها وهذا على جانب عظيم من الأهمية. فكل مشروع أو فكرة تنفذها لجنة (مّا)، فإن درجة الانتساب بالعرض تعود لهذه اللجنة دون غيرها، وبالأصالة لكل المجتمع ولكل اللجان الفاعلة في الحي، والواقع المحلي، وذلك لأن خطوة إيجابية تقوم بها هذه الفعالية أو تلك، تمهد الطريق لخطوة مماثلة أو تجربة جديدة للجنة أخرى، إذ لا أحد يأخذ مكان أحد في ميدان العمل في الساحة الاجتماعية فلكل لجنة نكهتها، ولكل فعالية رائحتها، والجميع باقة ورد.
عموماً أستشرف مستقبلاً واعداً – في المدى القصير والمنظور - لمشروع معرض الكتاب القطيفي، والذي سيكون بمشيئة الله علامة فارقة ومضيئة ضمن فعاليات أسبوع المهدي المنتظر، (أسبوع المعرفة) لشهر شعبان من كل عام شأنه في ذلك شان بقية البرامج والفعاليات التي شقت طريقها في الممارسة الاجتماعية الواعية خصوصاً وأن الكتاب القطيفي يملك من المقومات الأساسية سواءً من حيث الكم أو النوع ما يستحق معه إقامة معرض بشأنه، وما مشروع المكتبة القطيفية التي يضطلع الأستاذ السيد عباس السيد أمين الشبركة بريادة فكرتها غير المسبوقة إلا مصداقاً عملياً تعكسه أرقام العناوين التي يتحصل عليها " السيد الشبركة " للمؤلفات القطيفية التي تخرجها المطابع خارج البلاد وداخلها، الأمر الذي يجعل من هذا المعرض – مدار البحث – تجلياً مشرقاً من تجليات الفكرة البِكر للمكتبة القطيفية. وبجمع كل هذه المعطيات يمكن لمعرض الكتاب القطيفي أن يتحرك في فضائه فتعقد تبعاً لذلك وعلى هامشه الندوات، والمحاضرات، والأمسيات القصصية والشعرية المصاحبة، دون أدنى شعور بالنرجسية وتضخم الذات، أو البخس والتقليل من أهمية الآخرين على هذا الصعيد.