اعترافات مجنونة
لا أدري لماذا أصابني الجنون؟!
وقفت أمام المرآة .. أنظر فيها بتأمل غريب نحو مفاتني التي أضحت براقة ولامعة وشهية في ذات الوقت، أحدق في نفسي وأنا أدقق النظرات تلو النظرات في كل هذا الجسد الرشيق، عيوني أصبحت عدسة تجيد الالتقاط، حبست أنفاسي ثم تنهدت قلبي يقول : أولست جميلة ؟! أنه السؤال الذي أثار جنوني، لعل الفتيات لا يدركن هذه الفتنة وهذا الجمال، وربما الغيرة تأسر الجميع فلا يصرحون لي بالإعجاب، الكل ينظر إليَّ بنوافذ ضيقة، ويخافون أن يرتد إليهم طرفهم خاسئاً عند رؤية سحري القاطع !
تناولت الثوب الذي ابتعته البارحة، انتزعت بطاقة السعر دون أن انظر إلى ثمنه الباهض رغم كونه لا يستر إلا جزءً بسيطاً من جسمي..
وضعته على صدري لحظة لأتأمله، كيف سأبدو به؟!، وفي دقيقة خاطفة ارتديته.. تذكرت عارضات الأزياء.. تذكرت نجوم السينما.. وكثير من الفنانات والمطربات مرهفات القد، قلت في داخلي: أنا لا أقل شأننا عنهن..ولكن من يقدر هذه التحفة وهذا الإبداع.. لعل المقايس مقلوبة في نظر الجميع..
هاج فيَّ خاطري : لو وضعت في مكانهن لكنت أكثر جاذبية هناك، توقفت قليلاً.. ولكن لا تهمني الأموال.. وعيوني - تطلي المرآة - قالت في صمت : ماذا سأصنع بهذا الكنز الكبير؟! هل أتركه هكذا تذروه الرياح وتعصف به السنون العجاف؟! علامات التعجب والاستفهام امتلأت هناك فوق صورتي كغمامة أوقعتني في حيرة لا متناهية، إلا أنني أمسكت ضحكتي حينما تذكرت حفل ميلادي الذي لم تحضره غير (نهى) صديقتي المقربة، كنت قد ارتديت ما يقارب من هذا الفستان، أدركت أن عيونها قالت أني جميلة ولكنها لم تتكلم، لربما انتابها شيء من الخجل، أو ربما لم تتوقع أن أفاجئها هكذا.. رغم كونها تعودت مني المفاجئات..
كنت أقسم مع نفسي.. لو كنت في محل زليخا.. لاستسلم لي يوسف في حينه.. قهقهة خرجت من أعماقي دون قصد.. أنا لست متكبرة أو مغرورة.. إنه شعور ألتذ به .. أعترف أنني لم أكتفي بهذا الثوب، خصوصاً وأن الباب مغلق.. استخرجت حقيبة الألوان.. انتقيت المساحيق التي تروقني.. وأمام المرآة كانت إبداعاتي.. تزحلقت أناملي بالفرش والألوان بشكل مبدع، ووضعت أحمر الشفاه، وهنا في العينين كحلة جديدة استعرتها من (ناهد) ابنه عمتي، لم يتبقى أمامي الكثير..
ماذا لو قفزت لحفل الزفاف بهذه الأبهة؟!.. توقفت قليلاً قد أكون لافتة جداً.. ربما الوقت لم يحن بعد..أطرقت برأسي، ومتى سيقدم ذلك الفارس العنيد؟
خامرتني وسوسة عرفت أن ورائها شيطان، لا أدري لماذا تخيلت الكثير من الأمور المحجوبة.. والتخيلات المغرية؟! وقفت على قامتي.. والمرآة تحدق فيّ بإعجاب.. أريد أن أمزق كل الرجال.. أريد أن أحطم كل أولئك الشباب، فلماذا يتأخرون على البنات؟! استشطت غضباً وأنا في جنوني ذلك.. وساوس كثيرة لا ترحم تنخرني.. أريد أن أرفع التلفون.. أريد أن أعبث كالأخريات.. هنا في قلبي جحيم يتوقد.. النار تغلي في داخلي.. إنه القدر الذي وضعني هكذا.. أتسلق في قمة شجرة العنوسة.. لأبقى فاكهة بعيدة عن العيون، فمتى سيحين دوري للقطف؟!.. أرى الحسد يتغلغل في أعماقي وأنا أجد الصغيرات يقطفون ويأكلون بهناء.. أقسم أني سأكون أكثر لذة منهن لو فتح لي المجال.. ولكن الحظ العاثر، أو ما يسمونه بالنصيب المنكوس يعاكسني..
أوقدت الشاشة الحمراء في غرفتي الخاصة.. أريد أن ألتهم أي شيء أراه أمامي.. أريد أن أفعل أي شيء.. أتفرج على الكثير من القنوات المحمومة.. أقفز والصبر يفر مني.. يرمقني جهازي الصغير وأنا في حيرتي، اهجم عليه هو الآخر كليث مفترس أو كلبوة تريد الثأر لوحيدها، أتصفح في مواقع محظورة؛ فلدي مفتاح كل شيء.. لم أكتفي بكل ذلك، تناولت العباءة فلقد يئست من هذه الغرفة.. وضاق بي هذا السجن المقيت، لمع في عيني مجمع التسوق.. لا أدري لما قفزت فرحة مع هذه الفكرة.. وقفت أمام المرآة.. كيف سأكون مغرية هناك؟! وماذا أستطيع أن أكشف؟!، هل هذا... أم هذا... أم...؟!، وقبل أن أغلق التلفاز أوقفتني عبارة وضعت خلف الإعلان التجاري: "رمضان كريم" تذكرت أنني في أول ليلة منه.. انكمشت كل أوردة الشر، وغلت أيدي شياطيني.. مقت نفسي حينها، وبصقت في المرآة.. وكان الوضوء والصلاة ما أراح قلبي بالفعل !