خيوط الأمل
عشرين سنة وهي تبعث خيوط الأمل , وترســل أعذب الألحان , وتغرد مع كل فجر , ومع إرسال السلاسل الذهبية , تخط أصابعها , ألم الحرمان , ودموع الأحزان , وتحرك الرمال مشاعر الأمومة المفقودة , وتنثر نسمات الهواء رسائلها , لتصم آذانها عند سماع صدى صوتها .
لم أعثر على آثار بدورك الأربعة ؟؟؟
ويعم الظلام والسكون مملكتها الصغيرة .
وتعم الفوضى بداخل أشجان .
لم ولن أيأس من رحمة الله تعالى ؟
قلبي لا زال يحدثني بأنهم على قيد الحياة ؟
وتتلاطم أفكار أشجان أعنف من تلاطم أمواج البحار .
وتخرج الأمواج منادية .
أين أنتِ يا أفنان ؟
أين أنتِ يا جنان ؟
أين أنتَ يا باسل ؟
أين أنتَ يا باسم ؟
وكما تتكسر الأمواج عند شاطئ البحر , كذلك صوت أشجان يتكسر أما نافذتها .
ويرد عليها ظلام الليل .
لا زلت على أفكارك وهلوستك ؟
عشرين عامًا ولم تعثري لهم على خيط رقيق ؟
قالت أشجان : يا سواد الليل , لا تسود قلبي مثل سوادك . أبعث النور مثل هذا القمر , أو مثل هذه النجوم .
وتبسم القمر في وجه أشجان . وقهقهة النجوم , لتداعب قلبها المثقل بالهموم .
وتدفقت دموعها , وكل دمعة تسأل عن بدر من بدورها .
قال القمر : أنا أسير في هذا الكون , ونوري يتصفح جميع وجوه البشر , ولكن نوري يعجز أن يلتقط ملامح البدور الأربعة .
قالت النجوم : نحن نبعد كثير عن عالمك , وأنوارنا خفيفة , ولا تستطيع التعرف على والوجوه .
استسلمت أشجان لعواصف أحزانها , وأخلدت لكوابيسها الليلية .
وتصرخ ضلوعها من كوابيسها , ويصرخ لسانها نامي يا أشجان لا شيء .
مجرد كابوس .
وتبزغ الشمس من جديد , وتحرك الأمل في داخل أشجان .
وتواصل البحث والسؤال .
وتاهت أشجان بين أسألتها وأفكارها .
والرنين المتواصل والمرتفع من هاتفها , أعادها على أرض الواقع .
هل السيدة أشجان موجودة ؟
قالت أشجان : نعم . من المتحدث ؟
ويرد عليها الطبيب أشجان . هل تسمعينني ؟
أخفقت كل محاولات الطبيب , لسحب أشجان إلى أرض الواقع .
سأل الطبيب إخوان أشجان عن سر الإغماء المفاجئ لها ؟
رد الجميع لا نعلم !!!
نحن في حيرت أكثر منك يا طبيب .
وأعاد الطبيب السؤال بمفردات أخرى .
قال حسام : تلقت مكالمة من مجهول !!!
قاطع الطبيب أخوت أشجان .
وقال : من هو ؟
وماذا قال ؟
دمعت عين حسام رحمة على أخته التي قست عليها رياح الأحزان , ونزع غبـار الأيام من ذراعيها أنوارها الأربعة , وكسرتها عواصف البلاء , وألقتها بين أحضان السرير الأبيض .
قال الطبيب : يمكن التعرف على الطرف الأخر من الرقم المسجل في آخر مكالمة .
قال حسام : وأن تعرفنا على الشخص .
هل سيعترف بذنبه ؟
وبفداحة جرمه ؟
قال الطبيب : لا تيأس من رحمة الله تعالى .
كل محولات الطبيب وحسام لتعرف على الطرف الآخر كُللت بالفشل .
ظلت أشجان على سريرها الأبيض ثلاثة أيام .
تتصارع مع الحياة , كما تصارعت من قبل من أجل بدورها الأربعة .
أردتها القوية , وعزيمتها الحديدية , المتسلحة بنور الإيمان , ومهارة الطبيب , وقوة بدنها النحيل , وطأت أقدامها أرض الواقع من جديد .
هنأ الطبيب أشجان على السلامة .
وقال لها : لا تتحدث الآن ؟
كانت دموع أشجان تنبأ عن ألم وجرح عميق في داخل نفسها .
أحس الطبيب بكل ما يختزن في عقل أشجان , وتذوق مرارة الحسرة , وحرقت قلبه نيران السنين .
تمنت أشجان لو سمح لها بالكلام , فالنيران المستعرة بين ضلوعها تمزقها , ولهيبها يحرق بقية حُسنها .
اعتذر الطبيب من أشجان .
لا يُسمح بالحديث , ولم يحن الوقت للكلام .
ونسحب بهدوء .
وأما أشجان فإنها أخذت تلهو بأحزانها , وتلعب بأوتار آلامها .
امتدت يد حسام لتمسح الدر المتساقط على الخدود الندية .
أحست أشجان باليد الحانية عليها .
تفجرت كل الجراحات , وسالت الينابيع , فلم تعد أشجان تستطيع دفن مرارة السنين .
ضم حسام أخته إلى صدره , لعلها تلعق الحنان , أو تخمد النيران المستعرة بصدرها , ومسح بيده على رأسها .
انهارت قوة حسام وضعف تجلده أمام جراحات الأحزان .
وقف حسام في صمت عميق .
أما أشجان فأطلقت العنان للسانها . وأخبر عن مكنون المكالمة المجهولة .
قال حسام : ماذا تقولين ؟
قالت أشجان : تصور يا أخي من المتحدث ؟
قال حسام : من المتكلم ؟
قالت أشجان : أبنائي الأربعة .
تهلل وجه حسام عندما نطقت أشجان كلمة أبنائي .
لتختفي البسمة وتطفو الأحزان من جديد .
قالت أشجان : تمنيت لو أني لم أرجع للحياة .
قال حسام : ولما ذلك ؟
فقد تحقق حلمك أخيرًا سمعت همهمة أبنائك .
قالت أشجان : لو بقيت على الأمل أفضل بكثير من سماع أصواتهم .
قال حسام : ولماذا ؟ أفصحي أكثر ؟
قالت أشجان : بعد أن أمطرت وابل من الدموع . إن أبنائي يعتبروني ميتة منذوا زمنًا بعيد .
ويجب عليَّ أن أعدهم مع الأموات , ولا تربطهم بي صلة .
صرخت أشجان ضاعت سنوات البحث عبث .
قال حسام : لا يذهب بحلمكِ الشيطان .
وأقسم حسام بقطرات دموعها , وبنيران فؤادها المتأججة , بأن لا تتلاقى جفون عينه , قبل أن يكشف لها حقيقة المكالمة , وأن هذه المكالمة ربما تكون من شخص يتصيد في المياه الراكدة , أو يزيد النار حطبًا .
جند حسام كل طاقته , و بمساعدة إخوته لكشف النقاب عن الحقيقة .
وشرب حسام مع إخوته من الكأس المر , الذي سبقتهم إليه أختهم أشجان .
غاص حسام في أعماق تفكيره .
كيف تنظر أختي إلى حقيقة فلذات أكبادها ؟
هل أقتل أختي بكلماتي ؟
ولماذا أخلع الأمل من عقلها ؟
هل أحطم أمومتها ؟
كيف ؟
ولماذا؟
وهاجت سفينة أسئلة حسام وسحبتها الأعاصير إلى الأعماق .
صرخت دموع حسام لا . وألف لا .
وأجابته القطرات المتساقطة , ستكتشف أشجان الحقيقة , وسوف تصطدم بك وبأبنائها .
لا فحروفي سوف تجهزوا على بقية نفسها , ليخمد إلا الأبد .
قال لسانه : أنا سوف أخبرها .
قال حسام : أن فعلتها سأبترك , حتى لو أن أختي ماتت جميع حواسها , قبل هذا اليوم , أقصد منذوا عشرين عام ونظر حسام إلى يديه .
وقال: ليس بيدي أرفع الأكسجين عن أختي , لن أقطع خيوط الأمل .