إفطار العيد ! ..... قصة حقيقية
بطل قصتنا هذه مزارع ثلاثيني يقطن بأطراف قرية صغيرة .. هو إنسان بسيط جداً يعمل بمزرعة أبن عمه الكبيرة وبأجر زهيد يستلمه نهاية كل شهر ( بنظام النسبة ) ، ويمتلك صاحبنا شاحنة قديمة جداً ، اعتادت الذهاب والإياب يومياً بين نقاط ثلاث فقط : ( البيت والمزرعة وسوق المدينة الكبير ) ، ثم العودة بعد المساء إلي أسرته الجميلة ، حيث زوجته وأم عياله المحسود عليها والتي وهبها له الباري ، لأنها ( أجمل وأهذب وأتقى فتيات القرية ) ، إنها زوجة صابرة مؤمنة في قمة الأخلاق وحسن التبعل ( كامل حقوقها ) ، وقد رزقه الله منها خمسة أطفال ( كأنهم الورد الجوري ) .
اعتادت الأسرة الفقيرة أن تقتات على اليسير من الطعام في الوجبات الثلاث طول العام ، باستثناء إفطار يوم العيد المبارك ، إذ ينتظر كل فرد هذا اليوم بشغف جنوني ، ففي إفطار يوم العيد تزخر سفرة الإفطار بما لذ وطاب من خيرات الله ، كالبيض والكبدة والعسل والحليب والزيتون وغيره ( إنها هدية الأب بمناسبة عيد الفطر المبارك ).
لصاحبنا ثلاثة أصدقاء ( ممن تركوا القرية ) يلتقي بهم دائماً بسوق المدينة الكبير، فاتفقوا أن يرموه بمزحة من العيار الثقيل ، وذات يوم .. حيث كان صاحبنا يتنفس الصعداء ويحتسي الشاي بعريش المزرعة ، رن جواله ( المتواضع ) ، فذهل صاحبنا ( من المتصل ؟ ) ، غريبة أنا لم أسمع رنة الجوال في هذا الوقت منذ اشتريته ، فإذا بصوت فتاة يتقاطر غنجاً وأنوثة ! فأرتبك وتلعثم ولم يعرف كيف يرد ، فعاودت الاتصال به حتى تكلم معها ، فعاودت الاتصال في نفس الوقت من كل يوم ، ولعدة أشهر .. حتى ( جعلته أسيراً لصوتها ) ، إذ تعود ترك عمله وانتظارها لساعات ، وفي بعض الأحيان تفوته صلاة الظهر وهو يعاكسها ، ولقد ترك فعله هذا أثراً سيئاً على رزقه وسلوكه مع زوجته وأولاده ، وفي يوم ما، أصر على أن يقابلها، مع إنها لم تريد ذلك ، فهي تقطن بالمدينة الكبيرة ، فطلبت منه أن يكون اللقاء صباح يوم العيد .
بقى على العيد خمسة أيام ، وصاحبنا يعد الثواني ( متى يحين اللقاء ) مع مواصلة اتصالاتها وقت الظهيرة وهو صائم ! وفي ليلة العيد ، بات صاحبنا جاهزا ً للقاء الموعود ، إذا أستعار سيارة أبن صاحب المزرعة ( الجميلة ) لساعتين فقط ، بإدعائه إنه سيأخذ بها جولة مع أسرته المسكينة داخل المدينة .. وفي صباحية العيد ، لبس الثياب الجديدة ولم يصل صلاة العيد ، وأخبر زوجته المسكينة إنه مدعو على وليمة مع أصحابه ( بالمدينة ) ، فقالت له وبصوت حزين ، وكأنها تريد البكاء ( والفطور السنوي ! ) ، فقال لها : ( أفطورا لوحدكم ، أو أقول لك ، أدعي أخيك بدلاً عني ) ، فذهب مسرعاً نحو المدينة للقاء الفتاة ، والسيارة تفوح من رائحة عطره الجديد الباهظ الثمن ، وما إن توقف أمام المكان المتفق عليه ، وإذا بفتاة تمشي نحوه بخطوات سريعة ، فركبت معه وتحرك للخلف وانطلقا بسرعة كي لا يراهما أحد .. ( صاحبنا ) طول الطريق وهو يتحدث عن انجازاته وبطولاته في مزرعته التي يمتلكها ، وإنه مالك هذه السيارة ! فأتجه بها نحو طريق القرى السريع ، وأشترى بعض العصير والفطائر ، المهم لاحظ وهو يتحدث ، إنها ( أي الفتاة ) أكلت وشربت بسرعة ! وكذلك لاحظ جود الشعر الكثيف في كفها ! ، فشعر بالريبة والقشعـريرة ، وفجأة ! صرخت الفتاة :أنا ( صاحبك فلان !! ) ، وصارحه إنها مزحة مفتعلة وبتخطيط من أصدقائه الثلاثة ، فأصابت صاحبنا الصدمة والرعشة ! ، فرجع إلي بيته يجر أذيال الخيبة ( بخفي حنين ) ، فدخل على زوجته ، وبسرعة خاطفة ألتصق بها وقبلها وهو يتباكى ويردد ( أحبك أحبك ) ، وأحتضن أبناءه وقبلهم واحداً تلو الأخر ! ، تفاجأت الزوجة الصابرة من تصرفاته الغريبة ، فطلب منها وبصوت باكي : ( بسرعة ! بسرعة حياتي !، أحضري الإفطار ) ، فقالت له وهي تبتسم والدمعة على خدها : ( أكـلناه مع أخي ) .
