غريبي مراد: بعض الفضائيات تتّربح على حساب مصير الأمة
أصبح مشروع الحوار في وقتنا الراهن ضرورة حتمية، ومطلبا أساسيا باعتباره وسيلة للتعايش السلمي بين مكونات الأمة، فهو بحاجة إلى تفعيل قنوات الاتصال وتنشيط الفضاءات والمؤسسات الدينية والثقافية بالفكر المعتدل في غرس ثقافة التعايش بلغة الحوار. لذلك عمل العقلاء في الأمة على عقد العديد من المؤتمرات والندوات والمحاضرات والدراسات للعمل على ترسيخ لغة الحوار وأصوله الدينية والحضارية، والتأكيد على الحوار وأهميته في المجتمع الإنساني، وأثره في التعايش السلمي، والعلاقات الإنسانية، وتجاوز حالة القطيعة والتباعد، والانفتاح على الأطراف الأخرى مع عدم المساس بخصوصية كل طرف.
من هذا المنطلق أجرى مركز آفاق للدراسات والبحوث حوارا مع الباحث الإسلامي في قضايا الأمة غريبي مراد حول قضية الحوار الإسلامي – الإسلامي، الذي أكد فيه على أن الغاية الأساسية من تفعيل الحوار الإسلامي – الإسلامي هو الوصول للحقيقة الإسلامية الأصيلة بأسلوب علمي وموضوعي إنساني، يؤسس لواقع إسلامي متمدن وقادر على التصدي للدعوة الإسلامية عالميا.
وفي ذات السياق أوضح أن الثنائية التي قد تلتبس عند البعض لمفهوم (الحوار الإسلامي- الإسلامي) هي تصورية لا أكثر و لا أقل. مشيرا إلى أن الحوار الإسلامي هو العملية الاتصالية التفاعلية المتبادلة -لا انفعالية- داخل المجال الإسلامي العام.فإلى نص الحوار:
بداية الحوار مفهوم يتخذ معنى موسّع من جهة و مقيد من جهة ثانية، الموسّع يتمثل في تجلياته أو إيحاءاته أو لنقل في حركة الممارسة، أما فهم الحوار ضمن مجال محدد كالإسلام فذلك يؤطره حسب محددات هذا المجال، و بذلك نقول أن الحوار الإسلامي هو العملية الاتصالية التفاعلية المتبادلة -لا انفعالية- داخل المجال الإسلامي العام، و بالتالي موضوع الحوار عندما يرتبط بالإسلام ينطلق اصطلاحه بمعاملات الإسلام كرسالة سماوية لها أسسها و أبعادها و أهدافها الكبرى، ثم يندمج ضمن المعادلة التداولية ليؤسس لمشروع لا يتباين أو يتناقض مع المقاصد و الغايات الإنسانية الحضارية للإسلام...
و هكذا نجد أنفسنا أمام مفهوم الحوار إسلاميا كمعنى إنساني عظيم في الفكر و الوعي و الممارسة، و ذو معنى اقتصادي عام بالنظر لخصائص الشريعة الإسلامية و مقاصدها؛ لأن الحوار يتصل بموضوع المعرفة و خطوطها العريضة التي تتوزع على الخطين العقلي و العلمي... باختصار الحوار مبدأ قرآني و معروف بالسنة النبوية بكل تأكيد، و حسب المرجعية القرآنية نفهم أن الحوار وسيلة لغايات حضارية، كما أنه يمثل الجانب الإداري لعملية التغيير و التجديد و الإصلاح و الهداية حسب المنطق القرآني و السيرة النبوية الكريمة و سير أعلام الإسلام المهديين، و لكن النقطة التي أود لفت الانتباه لها في عبارة "الحوار الإسلامي" ليست سوى محاولة اصطلاحية ثقافية لتمييز الحوار كموضوع في الإسلام عن غيره من المجالات الأخرى (أديان و إيديولوجيات)، دون أن نغفل عن الثنائية التي قد تلتبس عند البعض (الحوار الإسلامي-الإسلامي) هي تصورية لا أكثر و لا أقل؛ لأن الإسلام واحد بشموليته و عالميته و مرونته و خطوطه أو تفاصيله، و في ذات السياق نعت الحوار بالإسلام يعني حركية العلم ضمن المجال الإسلامي يعني عقل يحاور عقل أو كما ورد ببعض الأحاديث عقل يشاور عقل فلا يمكننا القول الجدال الإسلامي؛ لأن الجدال هو حالة الصراع الفكري التي تكون بين طرفين متباينين في المتبنيات و المعتقدات، بينما بين المسلمين من حيث الأصول لا جدال في ذلك فالأسس واحدة أما مجال الخلاف أو التباين فحاصل في مسائل اجتهادية أو تاريخية لا تتعلق بالعقائد، لهذا الحوار هو بمثابة مدخل لإحياء الوعي الإسلامي من خلال تحريك الروح العلمية في الاتصال و التواصل،و تجديد حياة المسلمين بما يتجاوز مواطن التخلف و الضمور و الرجعية التي تعطل الغايات و المقاصد السامية للإسلام في حياة الإنسانية...
وكما أن الحوار بالقرآن عرفناها إيحائيا في تفاصيل القصة القرآنية، لكنه كاصطلاح لم يأخذ المساحة التي أخذها الجدال و الحجاج لأن موضوعه التواصل و التباحث الداخلي و الذي يعتبر من بديهيات الأمور لدى أي أمة تطمح لتحقيق القوة العلمية و الاجتماعية و الحضارية التي تصنع التوازن للتمكن من الدخول في جدال مع الآخر لجذبه للانفتاح على الحقيقة التي وصلت لها هذه الأمة، و نحن كمسلمين نعتقد بان الإسلام حدد الحقيقة الوحيدة و الواحدة التي تتأسس على التوحيد و تمتد من خلاله، المفروض أن الحوار من الأمور البديهية في علاقاتنا الجوانية بما يحافظ على توازن شخصيتنا الإسلامية، لكن للأسف هناك حضور للفوضى و الجدل على الشاكلة البيزنطية بيننا كتنوع داخل الدائرة الإسلامية، من هنا أقول الحوار الإسلامي هو المميز الحركي للشخصية الإسلامية المتوازنة، وأيضا الحوار الإسلامي- الإسلامي تأسيس للأخوة الإيمانية ثم إنسانية التميز من خلال حركة ثقافة الإحسان في حياة المسلمين...
ربما قد لمحت لهذا الموضوع نوعا ما بجواب السؤال الأول، لكن أؤكد أن الحوار الإسلامي ليس بحاجة لبداية، لأنه من قبيل اللؤلؤة المطمورة في ركام الفوضى، البداية الآن ليست خاصة بالحوار الإسلامي و إنما بنقد الذات الانفعالية التي لا تصبر على روحية الحوار ضمن الدائرة الإسلامية، هناك نرجسية مفرطة بالواقع الإسلامي، بحيث لما ابتعد هذا الواقع عن المعطى الحواري بات الحوار يمثل إهانة لمن يدعى إليه أو يعرض عليه من مكونات هذا الواقع. الحوار هو عملية تواصلية فكرية موضوعية بمجرد ما يدخل الانفعال الذاتي المجرد من العقل في الخط تنتفي معالمه و جواهره...
فكريا و عمليا، واقعنا الإسلامي الثقافي بحاجة لتطعيم بمعاملات ثقافة الحجة و البرهان و الدليل أي الموضوعية بما يبعث روح علمية ذات منهج إسلامي جوهره المنطق القرآني الذي يراعي العقيدة و الشريعة و الأخلاق كثلاثية رسالية في أي حركة إسلامية و لذلك نقرأ بالحديث "ما من حركة إلا و أنت محتاج فيها إلى معرفة" أي حركة إما في الفكر أو العمل، ثم إن المعرفة تعني العقل و العلم حسب المنطق القرآني.
ضمن الدائرة الإسلامية، كل الآفاق و الحقول مهمة؛ لأن الإسلام هو ترجمان المشروع الحضاري الإلهي في الأرض، لكن يمكننا الحديث عن الحقل و الأفق الثقافي الذي يمتد لكل الآفاق و الحقول الأخرى؛ لأن الثقافة هي عنوان روح المجتمع و منشأ سلوكياته، و ثقافة المجتمع المنتمي للإسلام المفروض روافدها الثقلين، و لكن كما نعيش و نرى و نواجه في تفاصيل الواقع الإسلامي هناك اغتراب عن النبع الصافي للإسلام و هناك ما عبرت عنه الأحاديث غربة يعيشها الناس بخصوص الإسلام الأصيل، فالحوار كعنوان حضاري مرتبط بالإسلام، لا يمكن أن يدخل الواقع المتناقض و المضطرب ببساطة، لابد من تخطيط و تنظيم و دقة في الإنجاز، نظرا للمطبات و التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، فعليه فإن مشروع الحوار الإسلامي، ينطلق من نظام تفكير المجتمع من خلال كل الفرد، و هذا النظام موجود لكنه بحاجة لترميم و تجديد و إصلاح بعض جنباته، و هنا يأتي دور المثقف العضوي الملتزم المسؤول جنبا بجنب مع الفقيه المتنور العارف بزمانه، و ذلك على كل الصعد و المجالات، و تكون بداية شروق شمس الحوار في الواقع الإسلامي لتنوير العقول و تطهير القلوب من تجديد الخطاب الإسلامي الجامع و الباعث للوعي ثم نشاطية المؤسسات الاجتماعية ككل ..
بكل صراحة هذا الفضاء يعرف ضمورا بعالمنا العربي، حيث ليس هناك جدية في تمكين المؤسسات العلمية و التربوية و الثقافية العبور من الايدولوجيا إلى الابستومولوجيا في مناهجها و أنظمتها و قوانينها، للأسف الكثير ممن يحسبون على الفكر الإسلامي هم غرقى في أوحال الايدولوجيا و العقد التاريخية، و الحقيقة تقال هناك اشتغال ضئيل و غير معمق بخصوص نظرية المعرفة الإسلامية التي تؤسس لحوار تنموي للواقع الإسلامي...
أساسا ملكية الثقافة في موضوع الحوار و امتلاك الروحية الإنسانية المنفتحة على الحقيقة بعيدا عن الانفعالية و احترام الطرف المحاور و تفريغ الموقف الشخصي عن الآخر من الأحكام المسبقة، ثم الابتعاد عن الإثارة التهكمية والاتهام من خلال ضبط الحوار بالقناعات الفكرية المستندة للبرهان و الحجة, أما بخصوص اتسام الوسط الاجتماعي بهذه الأسس و القواعد، فلابد من برامج سوسيوثقافية استراتيجية تضطلع بها مؤسسات المجتمع المدني و كذا المؤسسات الدينية والتربوية و الثقافية من خلال دورات التنمية البشرية ذات المنهج الإسلامي و الخطاب المعاصر، بالإضافة لوسائل الإعلام كلها، و بخاصة الإذاعة و التلفزيون والجرائد، لكن يبقى هذا المشروع بحاجة لاهتمام من وجهاء و علماء الدين و المثقفين في المجتمع لرعايته ماديا و معنويا وإداريا بعيدا عن الحسابات الطائفية و الإيديولوجية القاتلة لكل مشروع إصلاحي...و لعل النهوض بمشروع الحوار بحاجة لاشتغال تدريبي من خلال البرامج الثقافية و الفنية و في المناسبات الاجتماعية و محاولة ملاحقة كل السلبيات التي من شأنها التأثير على نجاحه.
لعل الغاية الأساسية التي نرنو إليها من خلال تفعيل الحوار الإسلامي- الإسلامي هي الوصول للحقيقة الإسلامية الأصيلة بأسلوب علمي و موضوعي إنساني، بما يمكننا في تحقيق توازن الشخصية الإسلامية (فرديا، اجتماعيا و أمميا) و يؤسس لواقع إسلامي متمدن وقادر على التصدي للدعوة الإسلامية عالميا...
و العلاقة بين الحوار و مطلب و مبدأ الوحدة تتمثل في كون الوحدة لا يمكنها التحقق و التجدد و التطور و الاستدامة إلا من خلال مشروع الحوار الذي يسهل التقريب بين المتباعدين و يؤصل المرجعية الفكرية للمجتمع الإسلامي من خلال دراسة خصوصيات هذا المجتمع العميقة التي تمثل التنوع بعيداً عن الشخصنة و الانفعالات، ويهدف لبناء أسس استراتيجية إسلامية واحدة تتوزع فيها المواقع الإسلامية المتعددة الأدوار لمواجهة التحديات التي تصنعها أمة الاستكبار الواحدة!
إن العقبة الأساسية التي يواجهها مشروع الحوار، أن كل فريق إسلامي شغله الشاغل مصالحه الذاتية و نظرته الحساسة و المليئة بالشك و الاشمئزاز من الآخر الإسلامي، كل ذلك مصدره البعد عن الأخلاق الإسلامية و التصور القرآني الذي يعتمد على الموضوعية في الفكر و في العلاقات بين المسلمين و الإنسان الآخر ككل، و بدقة هناك طغيان للعقلية المذهبية على الصفاء الإسلامي التي ينطلق من الهواء الطلق التوحيدي ، حتى أصبح كل فريق ينظر للفريق الآخر أنه مزاحم له في الدين، كأن الإسلام واقعا و مستقبلا، سوق للمرابحة المذهبية، و بالتالي عقبة الحوار بين المسلمين أنهم يتصورونه تكتيكا و ليس مبدأ و ثقافة قرآنية، فعلى حد قول أحد العلماء العاملين المخلصين للحوار و الوحدة ، أصبحت مؤتمرات التقارب مؤتمرات للتكاذب، أي كل منا يحاور لخدمة خصوصيات فريقه لا من أجل خدمة الجو الإسلامي العام.
أما السبيل لتذليل العقبات فهو-حسب قراءتي- العمل على إيجاد قاعدة اجتماعية إعلامية موحدة لثقافة الحوار، يمكنها أن تواجه الأبواق المشككة في جدوى الحوار من أجل التسامح و التعايش و الوحدة.
التعددية نابعة من سنة الاختلاف في الفهم و القناعات و ما هنالك من مسببات التمايز داخل البيت الإسلامي، لكن اكرر هناك مشكلة لدى بعض المسلمين أنهم مستغرقون في العقد التاريخية بالرغم من أنهم يعيشون في عصر حضاري متقدم من حيث الفكر و العلم و المعرفة و العمران و التقنية ، وهناك انفتاح الإنسان على الإنسان الآخر على مستوى الرأي و الدور و هناك تعاون شبه خيالي بين الفرقاء بعالم العم سام، و عليه التعدد المذهبي علاقته بمبدأ المواطنة متوقفة على مدى وعي أقطاب هذا التعدد لسنة الاختلاف، و أن إلغاء الآخر الجواني لا يمثل بداية الريادة في الساحة الإسلامية و إنما بداية الزوال، لأن الآخر هو جسر الأنا نحو حقيقة الوجود.
الطائفية هي نتيجة لمشكلات و أمراض أخرى ، هي ظاهرة تبرز من خلال تجذر انحرافات فكرية و مثبطات منهجية و تفشي الانفعالات بين الأفراد و الجماعات والتي تنتج حالة التعصب النابعة عن التعميم في الأحكام و الأنانية و حب الذات المفرط و الرهاب الاجتماعي، إن الطائفية هي العدو اللدود للمواطنة، و للتنمية و لكل مشروع حضاري، فالغرب مثلا لم يصل للمستوى الحضاري الراهن إلا بعد تخلصه من الايدز الطائفي، فلا يمكننا تصور نهضة بالعالمين العربي و الإسلامي في ظل انتشار الثقافة الطائفية التي تنضح بالإقصاء و التهميش و التكفير و السباب و الشك و سوء الظن و التجريم و الاتهام و كل ما هنالك من عناوين التخلف و الرجعية و الجاهلية الأولى، و لنا في الصدر الإسلامي الأول أسوة، حيث النبي الأكرم excaim أسس بنيان الدولة المدنية بالمدينة على أساس التعايش و الأخوة و حسن الظن و التكافل و الانفتاح الروحي المستمد من العبادة على الآخر المسلم و غير المسلم كترجمة واقعية للانفتاح على الله من خلال عياله...
بالتالي الطائفية مرض فكري ثقافي اجتماعي، تظهر معالمه بكل المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، لا يمكن معالجة هذا المرض إلا من خلال تفعيل و تنشيط الفضاءات الثقافية بالفكر المعتدل و الحوارات الهادفة التي تتسم بلغة التسامح و الانفتاح على الحقيقة من خلال نقد الذات و احترام الآخر و هذا الخيار العلاجي هو في الحقيقة دراسة للتحديات بعقلية علمية معرفية لا انفعالية نرجسية تنظر للآخر بنظارات سوداء و خلفيات سيئة ، الطائفية مطب خطير جدا يتسلل للمجتمعات عبر المخططات الاستكبارية المتمثلة في الفكر التضليلي و الإعلام الفاسد و السياسة المنحرفة، و ذلك لا يتحقق إلا بوجود الأرضية الخصبة التي مكونها الجهل المترسب و الأنانية المفرطة و الأحقاد التاريخية المتحركة في النفوس المريضة ....
بكلمة الطائفية تجتث بتجنيد الطاقات الحية في المجتمع لتنوير هذا الأخير بالحرية من خلال فضح الاستبداد و تنشيطه بالفكر الرسالي الحضاري لكشف الزيف الرجعي، و مواجهة الإشراط السياسي الممنهج للتحكم في مصائر الشعوب، و جعلها بلا إرادة و لا قرار حر ، لا تحسن إلا الخضوع لأوامر المتسلطين عليها إما من علماء دين أو حكام أو حتى نخب، هكذا سبيل المعالجة السليم للطائفية هو غرس ثقافة التعايش في المجتمع بنشر لغة الحوار و التعارف و التسامح و حقوق الإنسان و كل عناوين الإنسانية، دون أن ننسى دور المؤسسات الدينية و الثقافية و الحقوقية و الإعلامية و الدعم المادي المستقل لها، لأن الطائفية أزمة خطيرة بحاجة ليس لخلية أزمة و إنما أمة أزمة تتباحث إدارة هذه الأزمة للوصول بالأمة الإسلامية إلى بر الأمان.
لا ريب من أن الإعلام يلعب الدور الرئيسي في الحوار الإسلامي- الإسلامي لأنه ببساطة الإعلام غايته الأولى منهجيا -و ليس اقتصاديا- هي الحوار، لكن واقع الإعلام بالعالمين العربي و الإسلامي لا يزال متخلفا من حيث المردودية الاجتماعية أو الاستقلالية المهنية و الأداء الرسالي، على سبيل المثال الإذاعة بالعالم العربي لا تزال تهتم بمواد الإعلام التخديرية من طرب و رياضة والتي هي أساسا للهو والترفيه، فالإذاعة في المناطق الساخنة بالعالم العربي تكون رسمية غالبا و إذا كان خاصة نجدها تابعة لجهة معينة فبدلا من تطوير حالات التعايش و التقارب، تسعى لبث نيران الفتنة و إذكاء روح الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، من خلال محاولة الإشهار للجهة القائمة عليها لكن بأسلوب طائفي و ليس إنساني عادل، هذا النوع من الإعلام شيطاني و ليس إنساني و المقيت أن يحمل عنوان الإسلام أو يتبنى مناقشة مسائل تتعلق بالتراث الإسلامي من قبيل بعض الفضائيات التي تسعى لتحقيق أرباح على حساب مصير الأمة الإسلامية، و عندما نقول الإعلام دوره رئيسي في الحوار الإسلامي-الإسلامي، لا يخفى عليكم أن هذا الدور خطير جدا و حساس أيضا، لأنه يصنع الرأي العام ، و هذا الموضوع ناقشه المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير "la psychologie des foules" و عليه لا يمكننا أخذ الشروط و المعطيات على عواهنها بل لابد من اجتهاد ثقافي حركي و ليس فكري فقط، و خاصة في ظل التطورات الأخيرة بالعالم، حيث أصبح النظر للعالم الإسلامي ذو نظرة متضاربة بين الشرق و الغرب و أحيانا متناقضة لدرجة أن صورة المسلم أصبحت تقاس بمدى قدرته على الاستغراب فبدأ الحديث عن الإسلام الأمريكي و آخر فرنسي و ثالث ألماني و مؤخرا الياباني، و هذا الحاصل لم يأت من فراغ ، بل رسمت ملامحه اليد الاستكبارية الخفية و فصلته الترسانة الإعلامية العالمية و تفرضه بروتوكلات العولمة الاقتصادية، قصة الحوار بين المسلمين بحاجة لدعم مادي كبير للإعلام الإسلامي الحر البعيد عن حسابات السياسة العربية و الحساسيات المذهبية و التبعية للمستكبر وما هنالك مما ينحرف بالرسالة الإعلامية الإسلامية الهادفة للإصلاح بين الإخوة و تثمين التقارب و تطوير آفاق التعايش و تأصيل التسامح و العفو، بمواجهة كل الإعلام المضاد الفاسد الحاقد على الأمة و تطلعها للوحدة و التقدم و الريادة عالميا لموقعها الأصيل كشاهد بالخير و آمر بالمعروف و ناه عن المنكر ...و الله من وراء القصد.