العنف والإرهاب والجهاد .. قراءة جديدة للمصطلحات والمفاهيم النمطية
(العنف والإرهاب والجهاد..قراءة في المصطلحات والمفاهيم).. أستطاع المؤلف -كما يشير المفكر السعودي الشيخ محمد محفوظ في تقديمه للكتاب- "أن يحدد المعاني الإصطلاحية للمصطلحات الثلاثة، ويربطها بمنظومة القيم العامة، ويزيل الكثير من الإلتباسات التاريخية والسياسية عن هذه المفاهيم في المجال الإسلامي المعاصر".
في مدخل الكتاب أشار البحراني إلى أن العنف، والإرهاب، والجهاد، ثلاثة مصطلحات أصبحت مثاراً للجدل والنقاش في الآونة الأخيرة، وصار فيها من التدليس والخلط المتعمد وغير المتعمد الشيء الكثير، خصوصاً بعد الأحداث المؤسفة التي حصلت بمدينتي نيويورك وواشنطن في شهر سبتمبر 2001م، وذهب إثرها الآلاف من القتلى والجرحى الأبرياء.
وأمام صمت العالم السياسي بأكمله استغل الأميركي مشاعر التعاطف التي أبداها الشرفاء من كل الجنسيات والأديان، فقام بتشويه المفاهيم وغسل العقول التي كانت على أهبة الاستعداد لاستقبال ما يريد هذا المارد المطعون في عرضه فوق فراش نومه.
وهكذا كانت الفرصة سانحة لتعميق التشويه لمفهوم وصورة الجهاد عند المسلمين، فكما أن الجهاد يُعد مصطلحاً إسلامياً خالصاً صار العنف والإرهاب ولادتين إسلاميتين، بل نمنا ولم نصحو إلا والجهاد هو ذاته عنف وإرهاب.. وبفضل ذلك الخلط والتدليس لكل تلك المفاهيم صار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المجاهدين العظماء رجالاً عنيفين وإرهابيين يلعقون في أفواههم الدم بدلاً من اللعاب.
إنها -يقول المؤلف- المعادلة الأميركية الصهيونية، التي جعلت الجهاد في مقابل العنف والإرهاب، رغبة في التخلص من أنصار الإنسانية الذين يقدمون أرواحهم فداء لها، فأنت مجاهد أو حتى مسلم إذاً أنت عنيف وإرهابي، أما إذا لم تكن مسلماً فأنت حمامة سلام لم تسمع يوماً بكلمات مثل العنف والإرهاب.
وفي لفتةٍ رائعة ألمح البحراني: إلى أن مشكلة المسلم الذي يجنح إلى إستعمال العنف أو الإرهاب كوسيلة في دعوته إلى الله أحياناً؛ إنه يحسب ذلك من الجهاد المحثوث عليه في الشرع ضمن الشرائط الموضوعة، وهذا يدل من جهة على قصر منطقه وعقله في إقناع الطرف الآخر، ومن جهة ثانية على جهل الداعية العنيف أو الإرهابي بجوهر الدين الإسلامي السميح، ويبدو أن مثل هذا الشخص لا يقرأ قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾
[البقرة: 256]، وتلك حقيقة فُطر الناس عليها برفض كل ما يولد من رحم الإجبار والإلزام.
تعريف العنف:
في تعريفه للعنف يخلص الكاتب إلى أن "(العنف) لا يعدو أن يكون صورة من الشدة التي تخالف الرفق واللطف، وهو لا يعني القتل والفتك بالأرواح أو ما شابه وإن رافقه الشتم والضرب، ولكنه طريق للوصول إلى كل ذلك". هكذا كانت النظرة لمسألة العنف -حسب القواميس اللغوية والأحاديث النبوية التي استند إليها الكاتب- أما الآن فراح البعض ينظر إلى أن "العنف هو ذاته الإرهاب، والإرهاب هو ذاته العنف". وهذا مالا يروق للمؤلف إذ يرى بأن "كل إرهابي هو عنيف، ولكن ليس كل عنيف هو إرهابي".
تعريف الإرهاب:
شحَّ مجيء لفظ (الإرهاب) في المعجم اللغوي القديم، وذكره الزبيدي في تاج العروس بقوله: "الإرهاب بالكسر الإزعاج والإخافة". والإرهاب مشتق من "رَهِبَ، بالكسر، يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً، بالضم، ورَهَبَاً، بالتحريك، أي خاف. ورَهِبَ الشيء رَهْباً ورَهَباً ورَهْبةً: خافَه. والاسم: الرُّهْب، والرُّهْبى، والرَّهَبوت، والرَّهَبُوتى". ولم يرد لفظ (الإرهاب) -كما يذكر الكاتب- بصيغته التركيبية هذه في القرآن الكريم، وإنما وردت بعض الصيغ المختلفة من الأصل اللغوي الذي اشتق منها.
وبذلك -يضيف البحراني- فالمعنى لا يخرج عن مجرد الإفزاع والتخويف، إلا أن معنى الإرهاب أخذ في الاتساع شيئاً فشيئاً فيما بعد، وصار مطاطياً لم يُتفق على توحيد معناه ومقصوده، خصوصاً بعد أن أصبح مثاراً للجدل بعد أحداث الثلاثاء الأسود بنيويورك وواشنطن، فأُسيء استخدامه من دول ومنظمات عديدة أخذت في وصم من ترغب بالإرهاب في محاولة منها للتخلص من أعدائها، فأمام صمتٍ عالمي لا مثيل له قصفت الولايات المتحدة الأميركية دولة أفغانستان الإسلامية ونجحت في القضاء على الحكم الطالباني بها بعد قتلٍ وتشريدٍ للملايين من الأفغان وبدعوى الإرهاب، وهاهي اليوم ترمي بتهمة الإرهاب إلى دول إسلامية أخرى كالعراق وإيران وسوريا ولبنان وليبيا وغيرها، وبالطبع فالأمريكان يمارسون كل أعمالهم الإجرامية تلك وفقاً لتعريفهم الخاص للإرهاب والذي يتوافق مع مصالحهم الذاتية.
وبالرغم من تأكيد البحراني على عدم وجود تعريف موحد وشامل للإرهاب، إلاَّ أنه قدَّم هذا التعريف: "الإرهاب هو عبارة عن عنف مكثف إلى درجة كبيرة يصل إلى حد القتل والفتك وإحداث المجازر والمذابح". ولفت -الكاتب- الأنظار إلى أنه لا ينبغي أن تتفرد دول بعينها لفرض تعريفها وممارساتها على باقي دول العالم، كما حدث ويحدث الآن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
تعريف الجهاد:
يبدو أن مصطلح (الجهاد) اُشتق إسلامياً من الجُهْد والجَهْد بمعنى الطاقة أو المشقة، أي أن الجهاد هو بذل الطاقة والمشقة في مقاومة أمر ما، ومن ذلك جهاد النفس أو جهاد العدو أو غير ذلك... فمفهوم الجهاد لا يعني مجرد الاشتراك في الحرب مع العدو بالمعنى العسكري المتبادر إلى الذهن، وإنما هناك أبعاد أخرى للجهاد قد تكون أعظم شأناً من الجهاد الحربي من وجهة نظر الإسلام، والأخير -يقول الكاتب- هو ما يعنينا لمناقشة مفهومه بالدقة لمعرفة مدى الاشتباه الذي أُوجد بينه وبين العنف والإرهاب.
وعلى نقيض العنف والإرهاب الذَين ذمتهما الشريعة الإسلامية، فقد أكدَّت على ضرورة القيام بواجب الجهاد، فهذا القرآن الكريم عجَّ بالعديد من الآيات التي تحث على الجهاد، ووعد المجاهدين بأعالي الدرجات والمقامات في الجنة، بينما توعد المقصرين والمتخاذلين عن هذا الحق بالعقاب. يقول المؤلف: ما يهمنا في هذا المقام هو الجهاد الذي يُفهم منه معنى مقاتلة العدو الكافر أو الباغي بالسلاح، وهو المعنى الذي قُصد به عند البعض العنف والإرهاب، حتى أمكن من جرَّاء ذلك الاستعاضة عن تعريف الجهاد بهذين المصطلحين، وهذا خطأ يتضح لكل متأمل، وذلك لعدة اعتبارات، -يشير إليها المؤلف- منها:
أولاً/ دعوة الإسلام إلى نبذ العنف والإرهاب.
ثانياً/ أهداف الجهاد السامية: ولمعرفة شيء من هذه الأهداف يكفي القارئ أن يتمعن في هذه المقولة المروية عن الإمام جعفر الصادق : "كان رسول الله إذا بعث سرية بعث أميرها فأجلسه إلى جنبه وأجلس أصحابه بين يديه ثم قال: سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبياً ولا امرأة، وأيّما رجل من أدنى المسلمين أو أقصاهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإذا سمع كلام الله فإن تبعكم فأخوكم في دينكم، وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه إلى مأمنه".
ثالثاً/ الجهاد لا يكون إلا بأسباب: وهذا أمر يلزم الالتفات إليه، إذ أن الإسلام لا يقول بمشروعية الجهاد إلا في ظل ظروف وأسباب معينة، ولا يسمح في غيرها بالنزول إلى ساحات الجهاد والقتال. ومن تلك الأسباب الحاجة إلى الدفاع عن النفس بالسلاح، فليس من المعقول أن توجه رشاشك نحوي وتريدني أن أصمت، أو أن تحتل أرضي وتسفك دماء أولادي ونسائي بأسلحتك ثم تطلب مني مراعاتك والسماح لك بالتطاول أكثر فأكثر. وعليه فإن الجهاد لا يعدو أن يكون فريضة دفاعية إما عن الفرد أو الآخر، حتى بالنسبة للجهاد الابتدائي أو التحريري، وبالتالي فالجهاد لا يستهدف بأي حالٍ من الأحوال الرغبة في استخدام العنف أو الإرهاب كوسيلة، وإنما لديه أهدافاً أخرى شريفة وبريئة من تهم العنف والإرهاب.
كما أن الإسلام لا يفترض الجهاد بالسلاح إلا في حالات محدودة وضيقة، وهو يُقدم الصلح والسلام على كل ذلك، فإن اضطر فليس على المضطر من حرج.. يقول الباري عز وجل: ﴿فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾ [النساء:90]، ويقول أيضاً: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: 61]. إنها فلسفة الإسلام التي لا تجد للعنف أو الإرهاب مكاناً في شريعتها السمحاء.
آية الإعداد للقوة:
توقف الكاتب هنيئة عند الآية المباركة في سورة الأنفال إذ يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال:60]، وعاب على البعض تجيير لفظة (ترهبون) للدلالة على معنى الجهاد في كونه إرهاباً، وإنه لا فرق بين الاثنين بحجة تصريح القرآن بذلك المعنى المجير في هذه الآية.
وفي الرد على ذلك قال: بأن هذه الآية الكريمة وردت في أمر التهيئة قبل خوض المعارك، فيأمر الله سبحانه وتعالى بضرورة تهيئة العدة والعتاد التي تحتاج إليها المعارك أو الحروب، والهدف منها إدخال الرهبة والخوف على العدو بالمعنى البدائي للأصل اللغوي (رهب)، حتى يخشى فلا يتجرأ على الإغارة على المسلمين الآمنين، لأنه سيراهم يمتلكون الجيش المدرب والقوة والسلاح المطلوب، فحينها يرهب ويخاف من مباغتتهم وقتالهم، فالأمر هنا على سبيل الحماية والوقاية وليس على سبيل التحفز للقتال والرغبة فيه.
ويدل على ذلك ما يلي هذه الآية المباركة من تقييد وإلفات وتنبيه حتى لا يُستغل هذا الأمر الوقائي في ممارسات أخرى لا يقرها الإسلام، فتأتي الآية التالية آمرة بهذه الكيفية: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[الأنفال:61]، فالغاية هي السلم وليس الحرب، وهذا واضح لكل متأمل لسياق الآية الكريمة.
ولعل إرهاب الكيان الصهيوني هو الإرهاب الأكثر دموية ووحشية على مر التاريخ، ولكنه بالطبع ليس الوحيد، فالولايات المتحدة الأمريكية تمثل الصورة الجماعية للإرهاب أيضاً، فهي التي تدعم الكيان الإسرائيلي بالمال والسلاح لارتكاب مجازره، كما أن لها تاريخاً أسوداً في الإرهاب، وهي أول من ألقى قنبلة ذرية وكانت على الأبرياء في اليابان.