إيمو ... أفضل من الخطب العصماء
ربما يتردد في أذهان بعض القراء الآن، صدى القول أو الحديث التالي: "إيمو ... أفضل من الخطب العصماء ... ومن كتاباتكم أنتم أيها الكتاب أيضاً". وأنا سأقول مؤكداً: "نعم، وأفضل من كتابات كثير من الكتاب والمثقفين أيضاً".
لكن، ما هو المقصود هنا بـ "إيمو"، الذي ربما فطن لمعناه - هنا - البعض، بينما غاب ذلك المعنى عن البعض الآخر؟. فهل هو تلك الظاهرة السلبية التي إنتشرت في السنوات الأخيرة، بين بعض الشباب وبعض الشابات، كتقليعة أو موضة سيئة، إرتبطت بعبدة الشيطان، والحزن والشذوذ والإنتحار؟! أم ماذا؟!. ونحن نعلم هنا أن تلك الظاهرة بالتأكيد لا تصلح لأن تكون بأي حالٍ من الأحوال أفضل مما ذكر أعلاه؟؟؟!!!. فإذاً، ما هو المقصود هنا يا ترى، بـ (الإيمو)؟؟؟!!!.
في الحقيقة، لقد قصدت هنا "الفيلم التحريكي" أو "فيلم الرسوم المتحركة"، القطيفي: (إيمو)[1] . الذي أنتجه شباب "مسجد المسألة". وهو المسجد المعروف الواقع في منطقة القلعة بمدينة القطيف. والعمل من تأليف، فضيلة الشيخ/ أبي أزهر الدبيبي[2] . صاحب العمل الإنشادي الوطني المبدع والرائع (أحب القطيف)[3] . فهذا العمل عندي بالتأكيد، أفضل من كثيرٍ من الخطب العصماء والمقالات المركزة والدسمة، خصوصاً لو توفرت له القناة الفضائية الهادفة الحاضنة الناجحة، التي تستطيع إخراجه من فضاء الإنترنت الواسع، لفضاء الفضائيات العريض والأوسع. أما: (لماذا - ذلك -؟!). فهذا، ما أريد الحديث حوله هنا.
لقد أشرت في موضعٍ سابق، لقضية (التشفير والضبابية) أو عدم الوضوح والشفافية، في خطاب كثيرٍ من المثقفين في واقعنا التوعوي المحلي المعاصر. وأضيف هنا اليوم أيضاً، (جفاف) أسلوب الخطابة وأسلوب المقالات، وعدم قدرة تلك الأساليب آنفة الذكر، على إثارة وجذب إهتمام شرائح واسعة من أبناء المجتمع والأمة. بعكس الأسلوب الفعال للأعمال (التلفزيونية والمسرحية) الإنشادية والتمثيلية المعاصرة. القادرة على الوصول بخطابها لشرائح واسعة ومتنوعة من أبناء المجتمع. بالإضافة لقدرة تلك الأساليب على نقل مزيدٍ من التفاصيل الدقيقة، لذهنية وعقلية المتابع. وذلك بلا شك يسهم في بلورة الصور الذهنية أو الأفكار بالشكل القوي الذي ينشده ويستهدفه ويطلبه المصلح الإجتماعي. حيث يمتاز هذا الأسلوب الأخير بالمزيد من الضبط والتحديد والوضوح في صناعة الرؤية. لأنه يزاوج بين الكلمات المقروءة والمسموعة ومختلف المؤثرات الصوتية وبين (الصور البصرية الثابتة والمتحركة). وهو ما تفتقر إليه بشكلٍ واسع وواضح، الأساليب التقليدية القديمة: (كالمقالة والخطبة ... الخ). التي، يمكن أن تعد - خصوصاً اليوم في هذا العصر -، بل لازالت تعد - منذ القدم وحتى اليوم -، من الأدوات المعرفية الخاصة جداً، الأقرب للنخبة والشرائح المثقفة، التي يمكن أن تنشد - أي تلك النخب - لها بقوة، بحكم علاقتها المفرطة بالمقروء والمسموع.
هذا طبعاً، في الجانب الأول، الذي ميز العمل "إيمو"، عن بقية الأعمال الخطابية والكتابية. أما في الجوانب الأخرى، التي ميزت العمل المذكور أيضاً، والتي قد تغيب كثيراً عن ساحات بعض بل ربما كثير من نتاجاتنا الخطابية والكتابية في واقعنا الإسلامي المعاصر، فسنجد بوضوح، ما يلي:
- الميل للإعتدال، وطرح الأفكار المعتدلة، القريبة إلى المنطق والعقلانية، بشكلٍ ملحوظ.
- معالجة قضايا حياتية معاصرة، واقعية ومهمة وضرورية، تؤثر اليوم بقوة في واقع الفرد والأمة.
- الجرأة في النقد، في مواضيع حساسة، طالت هنا - في هذا العمل -، الجانب الديني، ودور رجل الدين في المجتمع. وفوق تلك الجرأة في النقاش هنا، أو مما أكد تلك الجرأة هنا، تميز ذلك العمل أيضاً، بالوضوح والصراحة التامة في الطرح، عند نقاشه لتلك المواضيع الحساسة.
لذا، فإنني أجد من الواجب علي هنا، وكذلك على كل الحريصين على (هذا المجتمع) أو (المركب الذي يقلنا جميعاً) أيضاً، وعلى تحصينه وتنويره، أن نشد على أيدي القائمين على مثل هذه الأعمال الطيبة والمميزة، بمختلف أنواع المعاضدة، عبر الكلمة الصادقة والطيبة، والموقف النافع والمفيد والمحايد والنزيه، وعبر الدعم بما تجود به أيدي الخيرين من أهل الجود والعطاء، القادرين على تقديم مثل ذلك الدعم.
وطبعاً، في النهاية هنا، وكي تطمئن قلوب الناقدين والمنتقدين، فأنا لم أتكلم هنا عن ذلك العمل، كمدافعٍ عن عمل معصوم، يخلو تماماً من جوانب الإشكال والنقد. فهو - أي ذلك العمل - في النهاية، ليس سوى عملٍ بشري، غير معصوم بالتأكيد. لكنه، بالتأكيد أيضاً - من وجهة نظري الخاصة - بعد النظر للواقع بدقة وفهم واستيعاب، عمل رائع وإيجابي ونافع، يصب في المسار الصحيح والسليم كما أعتقد ... هذا والسلام.