عاشوراء .. والمجتمع الإسلامي
في خضم ما تعيشه الأمة الإسلامية مع تناقضات واختلافات بين أطرافها نجد أن الكثير من المواقف أثرت على تاريخ الأمة وأصبحت المحرك الرئيس لجملة من الأفكار والمنظومات المتباينة في الأوساط الاجتماعية في مختلف العالم.
حيث أن بعض من تحركاتها و معطياتها تولدت من تلك المواقف ؛ لذا فإننا نجد أنه لزاماً علينا تسليط الضوء على بعض الشواهد والوقائع العظيمة التي مرت بها الأمة، ومن ضمنها الملحمة الحسينية العاشورائية والتي أستشهد فيها سبط رسول الله الإمام الحسين ابن علي (عليه وعلى جده الصلاة والسلام) مع جماعة من أهل بيته وأصحابه الذين قدموا أنفسهم فداءً لنصرة دين الله ونصرة القضية الحسينية المباركة.
ولعل المتأمل في تلك الواقعة ينظر إلى الأبعاد والدروس المختلفة التي أراد الإمام الحسين إيصالها إلى العالم عبر تلك الملحمة التاريخية والتي من ضمنها البعد الاجتماعي في واقع الأمة الإسلامية.
لازال يعيش المجتمع الإسلامي على واقع الحروب والفتن التي طحنت ومازالت تطحن و تنخر في الجسد الإسلامي فلا يكاد يخلو بلد من خلافات سياسية أو اقتصادية تطفو على السطح بين الفينة والأخرى مع بلدان أخرى، ومثل هذه القضايا تعود بشكل سلبي على المجتمع الداخلي في تلك البلدان، حيث أن هنالك أنواع من التشتت والتشرذم الداخلي بين أطياف المجتمع الواحد وعادة ما يجد الباحث أن الكثير من الأخلاقيات والأفعال والسلوكيات المحرمة و التي كانت سائدة في العصر الجاهلي في جميع المعاملات الحياتية بدأت تطفو حقيقة على السطح مجدداً بسبب الابتعاد عن المنهج المحمدي الأصيل والخط الحسيني الذي خطه الإمام الشهيد، وعلى هذا الأساس كانت إحدى أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء هي إيقاف الممارسات الشيطانية التي حاول بنوا أمية إرجاعها عبر التصنيف العرقي وممارسة الألاعيب السياسية القذرة بشتى صنوفها ليعود المجتمع الإسلامي في جاهلية صماء تتيح من خلالها لحكام بنوا أمية ومن هم على شاكلتهم قيادة الناس وكأنهم همج رعاع لا يفقهون شيئاً من أصول دينهم أو شئون حياتهم المشروعة كالحريات والحقوق الإنسانية في مختلف جوانب الحياة.
ولذا فإن كل تلك الممارسات العملية والأخلاقية التي مارسها الطغاة على مر التاريخ لها تأثيراتها وآثارها في الحاضر والمستقبل في بناء منظومات المجتمعات وعلاقاتها التي تشمل الاستقرار والأمن الداخلي والإقليمي.
يتطلب علينا في هذه الأيام التركيز والتأمل والتفكر جيداً في المسيرة الحسينية المباركة وما حوته من مبادئ ومفاهيم في ثورتها ضد الزمرة اليزيدية الظالمة، كما يجب علينا ملاحظة كيف أن الإمام الحسين عليه السلام استطاع كسر الحواجز الطاغوتية التي استعبدت الأمة عن طريقها والشاهد على ذلك حينما جاءه عربيد من عرابيد آل أمية وقال له:
(انزل على حكم يزيد وآل زياد) فرد وبكل حزم وبلاد هوادة : "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد"
كما أنه استطاع كشف زيغ وكذب بني أمية ومسألة أحقيته في الخلافة وعدم أهلية يزيد في قيادة الأمة الإسلامية عبر خطاباته للأمة والتي منها قوله : (( إِنِّيْ لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلاَ بَطِراً وَلاَ مُفْسِداً وَلاَ ظَالماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإِصْلاَحِ فِيْ أُمَّةِ جَدِّيْ ))
وعليه فإنه يفترض علينا أن نستفيد من تلك القراءات المتأنية لملحمة كربلاء و خطابات الإمام الحسين في تحفزينا و إصلاح وتطوير ذواتنا وأهلينا لنكون بالفعل مع ركب الحسين عبر الالتزام قولاً وفعلاً بالخط الحسيني في حياتنا اليومية لنكون منظومة اجتماعية قوية ومتكاملة واضحة المعالم من خلال المنهج المحمدي الحسيني الأصيل.