التعايش بين النظرية والتطبيق.. فوزي آل شنر أنمُوذجاً
امتداداً من القُرون السابقة إلى يومنا هذا, كُل الأطروحات الفلسفية لم تتشكل وتأخذ قالبها الكامل إلا بعد تطبيقها عملياً على الحياة الإنسانية والاجتماعية, عدا ذلك تبقى حروفاً وكلمات مُسطرة على ورق.
مفهوم التعايش لغوياً من الألفة والمودة، واصطلاحًا: هو تفاعل مُتبادل بين طرفين مختلفين في العادات أو المعتقد والدين. وقد برز هذا المصطلح على الحياة الإنسانية منذُ القدم عن طريق عدة صور منها: التعايش السياسي؛ كالتعايش الذي حصل بين المسلمين ويهود بني عوف, والتعايش الاقتصادي كما هو حاصل في دول الاتحاد الأوروبي حالياً, وأخيراً والأكثر جدلاً هو التعايش الديني كما هو موجود في الكثير من المجتمعات المدنية.
في الآونة الأخيرة تم تداول هذا المصطلح "التعايش الديني-المذهبي"، في المجتمع السعودي والشيعي على وجه الخصوص بشكل واسع, على المستوى السياسي بدءاً من أمر الملك فهد بن عبد العزيز بإنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني عام 2003, وهو منظمة وطنية مستقلة تعمل على نشر ثقافة الحوار وأحد أهم الأهداف المرجوة من إنشائه تكريس الوحدة الوطنية وتعميقها, إضافة إلى حوار الأديان الذي ترأسه الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2008 وكان في اسبانيا.
وعلى المستوى الثقافي والفكري, تم تناول مفهوم التعايش بشكل كبير من قِبَل الإعلام المرئي والمقروء. الكتابات والمقالات الصحفية والندوات الثقافية, كُلها كانت تُصب في تأسيس حقيقي لمفهوم نظرية التعايش في مُجتمعنا السعودي.
على المستوى الاجتماعي, كانت الأحداث حافلة تبعث على التفاؤل ببدء تطبيق هذا المفهوم واقعياً, فمن استقبال رجال الدين بعضهم لبعض وتبادل الزيارات بين المثقفين من مختلف أرجاء المملكة, حيث شهدت منطقة القطيف عدة زيارات لأسماء لها وزنها السياسي والثقافي في المملكة، كُلها كانت تدعم لتأسيس هذه النظرية, بدءاً من زيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز إلى زيارة الأستاذ جمال خاشقجي. وفي موسم عاشوراء الأخير زيارة عدد من المثقفات والأكاديميات السعوديات خلال برنامج خاص أعدته لجنة التواصل الوطني.
كُل الإشارات والأحداث السابقة تبعث التفاؤل الجميل وتدل على وعي كبير لأهمية المُضي قدماً في تأصيل مفهوم التعايش الديني بين أبناء الوطن.
ومؤخرًا طالعتنا بعض المواقع الالكترونية المحلية والعالمية على خبر مؤسف بخصوص: "فصل معلم في القطيف بذريعة تدريسه الطلاب الصلاة الشيعية وإهداءه كتيباً دينياً للطلبة", كما تضمن قرار الوزارة منع المعلم من العمل ضمن أي قطاع حكومي آخر, المعلم هو الأستاذ فوزي آل شنر، وهو غني عن التعريف، ومثال للشخصية التربوية التي حظيت بشرف الخدمة في مجال التربية والتعليم لمدة 17 عاماً، تخرج من خلالها على يديه العديد من الأطباء والمهندسين والمعلمين الذين يخدمون الوطن اليوم, متزوج ولديه ثلاثة أولاد، عُرف بين أهالي بلدته بالنشاط الاجتماعي الواسع.
لستُ هنا بصدد الخوض في تفاصيل القضية المُتشعبة, ولا تبرير الخطأ! الذي حصل من قِبَل الأُستاذ!! ولكن لطرح بعض التساؤلات المُهمة:
فهل هذا الحُكم الصادر من وزارة التربية والتعليم يعتمد على مقدار الخطأ الذي قام به المعلم أم بسبب بعض التدخلات الكيدية على اعتبار مذهبي أو طائفي!؟. وبتفكير بسيط، لو افترضنا هذه القضية في منطقة أخرى من المملكة ولمعلم ينتمي إلى مذهب أهل السنة والجماعة وتم خلالها توزيع بعض الكتب الدينية وأشرطة الكاسيت لمحاضرات دينية، وغيرها الكثير من الأنشطة اللاصفية التي تحصل يومياً في كافة مدارس المملكة, هل سيكُون العقاب هو نفسه الذي حصل في قضية المُعلم شنر!؟
المُعلم شنر، لم يخرُج على الوطن ويشّوه سمعته ولم يُهدد أمنه؛ لكي يُجازى بمُناصحة واستقبال كبير! وإنما أخطأ بتعديه على بعض القوانين الإدارية, فهل تستحق الـ 17 عاماً من الخدمة المُجازاة بالفصل !
كم هو رائع وجميل، أن أرى الآن، تكاتف جميع تلك الأسماء من رجال دين ومثقفين وأكاديميين سنة وشيعة كانوا ولا زالوا يسعون لتأسيس مفهوم التعايش في المُجتمع؛ لإيجاد حُلول لمثل هذه القضية من منظور التعايش وإيصال قضية هذا المُربي الفاضل إلى المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم سمو وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله؛ لإعادة النظر والإطلاع في تفاصيل هذه القضية.
حينها سنجني الأرباح من كُل تلك المجهودات, وسنبدأ بالتحُول من النظرية إلى التطبيق, وسنُعلم الأجيال القادمة كيف لهُم أن يتعايشوا مع الآخر بأمان وسلام واحترام. وإلا، ستظل نظريات وفلسفات.. أحداث وذكريات يُسجلها التاريخ.. حُروف وكلمات على ورق، لا فائدة منها!