المناهج الدينية، وزر الماضي وعبء المستقبل
تدرس المناهج الدينية للأطفال في المرحلة الابتدائية بأسلوب تحريضي " دعوي " ضد الآخر المختلف والكافر والزنديق والمشرك.. إلخ ولا يمكن أن تجد منهجا واحدا يدعو لقيم التسامح والمحبة وحق الإنسان الأصيل في المغايرة، أو على أقل تقدير يناقش أوجه الاختلاف بين الأديان والمذاهب نقاشا موضوعيا بأسلوب منهجي يسمو على لغة التحريض والطعن.
أو لنقل يحترم الاختلافات بين المذاهب الإسلامية الأخرى حرصا على وحدة الوطن الذي يضم أطيافا متباينة من المذاهب الإسلامية، لكن كل ذلك مجرد أحلام وشطحات خيال، إذا ما نظرنا للايديولوجيا السلفية المسيطرة على مناهج التعليم والإعلام عندنا.
فأهم سمات التعليم الديني السلفي في مدارسنا، التلقين، والإملاء، والتحريض، وغسل الأدمغة، وترهيب الأطفال منذ نعومة أظافرهم في المدارس الابتدائية من الحياة والآخرة والله. وتلقينهم أفكارا متطرفة من مثل أن "الفرق الضالة " والمسيحيين واليهود كلهم في النار، لأنهم أعداء الله ورسوله، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾
[1] هذا فضلا عن تكفير أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى - وإن كان بشكل مبطن في الآونة الأخيرة - مثل الشيعة والصوفية والأشاعرة «الذين هم أصل المذهب السني!».إن من أدبيات الأصولية السلفية، إخضاع الآخر بذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا مصيره النبذ والنفي، أو الاستئصال، وأبرز مؤشراتها - في واقعنا السعودي - الرهاب الفكري إزاء الحياة والآخر المختلف ناهيك عن الصورة النمطية المخيفة التي تقدح في أذهان ووجدان الأطفال عن الآخرة وعذاب القبر وسطوة الإله ووسوسة الشيطان التي تقدم لهم كمسلمات عدم الإيمان بها - لاسمح الله - له عواقب وخيمة في الحياتين!!
وعندما نتصفح كتاب الدين للصف السادس الابتدائي «الذي يشمل مقررات التوحيد والفقه والحديث والتجويد» سنجد أن أكثر كلمتين تكررتا بشكل مستمر في صفحات الكتاب برمته هما الشرك والكفر..!
ومواضيع «مقرر التوحيد» على وجه التحديد، تبالغ في تلقين الأطفال كيف يخشون الله ويرهبونه، لا كيف ولماذا يحبونه، والتحذير من أنفسهم الأمارة بالسوء، وأفكارهم البريئة، وتساؤلاتهم "الشيطانية"، بأساليب فجة وموغلة في الخرافة، ومن خلال فهرس المقرر سنرى الزخم الهائل من الترويع الذي يغسل به عقول أطفالن ا[2] ، ولنتخيل بعد ذلك مصير هذه العقول الغضة.
في صفحة «26» يقول المؤلف في مقرر التوحيد للصف السادس الابتدائي عن شرك المحبة: " المحبة هي أصل العبادة ولهذا يجب على المسلم ألا يحبَّ أحداً أكثر من حبه لله ولا مثل حبه له وإلا وقع في الشرك" وفي صفحة «27» يقول عن الشرك الخفي، مستشهدا بحديث منسوب للنبي الأكرم : " الشركُ في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل" وفسر ابن عباس هذا الشرك بمثل قول الرجل لصاحبه: "ماشاء الله وفلان". بهكذا مواضيع ضبابية يلقن أطفالنا في الصف السادس الابتدائي.
علما إن هذه المناهج - كما يقال - خضعت لغربلة فكرية جادة، وخصوصا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وما صاحب ذلك من ضغوطات خارجية وداخلية أيضا تطالب بتغيير المناهج والتي ما برحت تقض مضاجع مسئولي التعليم عندنا، وعلى ضوء ذلك نقحت من الشوائب ومن الأفكار المنغلقة على أيدي كبار الأساتذة والمشرفين التربويين لكي تتواءم مع متطلبات العصر وحاجياته من جهة، وتعكس صورة التسامح والمحبة في الدين من جهة أخرى، ناهيك عن كونها مشعلا تنويريا يحتاجه الناشئ على الصعيدين الدنيوي والأخروي..!
بدءا ينبغي علينا أن نتساءل عن الهوية الفكرية للمشرفين التربويين والأساتذة والعلماء " الربانيين" الذين أشرفوا ووضعوا اللبنات الأولى لمناهجنا الدينية التعليمية، وواقعا هم خير خلف لخير سلف.
ومن الضروري أن نتساءل:
لماذا حواضننا الدينية في مجتمعنا السعودي مفرخة للإرهاب؟!
وهل الإرهاب دخيل وطارئ على نسيجنا الاجتماعي كما يتساءل أحد "التنويريين "؟
ثم أليس الحديث عن وحدة وطنية، يعد نوعا من التزييف والضحك على الذقون، طالما استمر تدريس الأطفال لمذهب واحد يقصي بقية إخوانه، شركاء الدين والوطن؟
وهل من المبالغة في القول إذا زعمنا أن تطعيم الأطفال بالكراهية والحقد ضد أخوانهم من المذاهب الأخرى، يعد طعنا في قلب الوحدة الوطنية، بعد أن تحولت مدارسنا إلى دور تبشيرية"دعوية" تحريضية؟!
لقد طالعتنا الصحف المحلية قبل أيام" بأن سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز بن عبد الله آل الشيخ دعا إلى تخصيص قناة فضائية للتصدي للأفكار الضالة. " ولستُ أدري، إن كان سماحة المفتي - حقا - لا يدري بأن أول بذور "الأفكار الضالة " تنمو في أحضان مدارسنا..!
وكيف يمكن تحقيق أقصى قدر ممكن من مناخات التعايش والوئام بين أبناء الوطن والتعليم الديني يشوه ويطعن في كل مفاهيم التعايش بين المختلفين؟!