فوزي شنر.. قضية مجتمع
من يصدق أن يحدث هذا في القرن الواحد والعشرين؟!
معلم معروف عند زملائه المدرسين وتلامذته الصغار وأولياء أمورهم بأخلاقه العالية وإخلاصه في مهنته، يكافأ بعد سبعة عشر عاما من الخدمة بالفصل بتهمة ( ويا لها من تهمة ) تسليم مذكرة للتلاميذ فيها وصف لكيفية الوضوء والصلاة وفق مذهبهم الذي يتعبدون الله به، والذي يؤدون فرائضهم وسننهم وفق مسائله الفقهية المستنبطة من الكتاب وسنة رسول الله وأهل بيته ومن الإجماع والعقل.
المذهب ليس شيئا مخترعا ابتدعه المعلم، بل هو مذهب له عمقه التاريخي، وامتداده الجغرافي، وتراثه المعرفي، ونتاجه الفقهي والأصولي والتفسيري والكلامي والأدبي والفلسفي؛ والصلاة التي في المذكرة ليست صلاة سرية، فملايين المسلمين الشيعة يؤدون هذه الصلاة في مختلف بقاع المعمورة، وفي كافة بيوت الله، في الحرمين الشريفين وبقية المساجد، ويتم نقلها على الفضائيات من أكثر من دولة. إذن ما المشكلة؟! ولماذا لم يتحمل من أصدر القرار بقاء المعلم ليس في سلك التعليم فقط، بل في كافة الوظائف الحكومية؟!
الجواب ببساطة: التفكير الطائفي المهيمن على البعض هيمنة تجعله لا يرى في الآخر الشيعي إلا رافضيا مبتدعا ليس له من حقوق المواطنة أو الإنسانية شيء، وبالتالي لا يرى في فصله إلا فعلا يؤجر عليه لأنه ساهم في تنقية الوزارة من عنصر غير مرغوب فيه، وسوف يلقى بالطبع من يصفق له ويعد عمله بطولة وخطوة مباركة في الاتجاه الصحيح.
ومن هنا فالمسألة ليست مسألة شخصية أو قضية فردية، بل هي قضية تمس مكونا من مكونات هذا الوطن، وتستهدف النيل منه والانتقاص من مواطنته وحقوقه المشروعة التي يقرها العقل والدين ومواثيق حقوق الإنسان.
حين يكون الحديث عن حوار الأديان نشهر بفخر وثيقة المدينة التي أقرها رسول الله والتي منحت اليهود المواطنة وحريتهم الدينية ما داموا ملتزمين بواجباتهم حيث ورد فيها (أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، وأن لبقية اليهود من بني النجار وغيرهم ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم نفسه وأثم فإنه لا يهلك إلا نفسه(، أما حين يتعلق الأمر بالمواطنين المسلمين الشيعة تختفي هذه الوثيقة لتخرج علينا النصوص المبثوثة في الكتب المسمومة والتي تحرض على الكراهية ونبذ الآخر.
نحتج على الغرب حين يمنع المآذن في سويسرا ونتهمه بالتعصب ضد الإسلام رغم أن ذلك تم بطرق ديمقراطية من خلال التصويت، ولكننا لا نرى بأسا في أن نمنع الشيعة من إقامة الصلاة جماعة في الخبر مثلا أو في المدارس.
نتشدق بالمقولات الإسلامية التي يؤكد عليها القرآن الكريم من عدم الإكراه في الدين، وأولوية العدل حتى مع من لا نحب، وأن أساس بعثة الأنبياء أن يقوم الناس بالقسط، وأن، وأن...؛ بينما نحاول بكل ما أوتينا من قوة وسلطة أن نفرض فهمنا الديني على الآخر، ونمارس الكيل بعدة مكاييل حين يتعلق الأمر بالآخر المختلف.
هناك أزمة لا علاقة لها بالنصوص الدينية، بل هي مجموعة ممارسات طائفية يقصد منها تهميش وإقصاء مكون بعينه، ويتم إلباسها لباسا دينيا ليسهل تسويقها وتقبلها، وإلا لماذا يصبح التعايش عندنا قضية تحتاج إلى أدلة وبراهين، بينما تتعايش في مدينة إسلامية واحدة ( قازان – عاصمة جمهوية تتارستان ) 153 منظمة دينية، من ضمنها 48 منظمة أرثوذكسية و 68 إسلامية و23 معبدا أرثوذكسيا و33 مسجدا، بالإضافة للعديد من المؤسسات الدينية لأديان أخرى؟!
هل المشكلة في فهم التتار للإسلام، أم في خصوصيتنا التي ابتدعناها وأدخلناها في كل شيء بمناسبة وبدون مناسبة؟!
إن أبسط ما نطالب به أن يعود المعلم فوزي شنر إلى وظيفته، وأن يطوى ملف هذه القضية بانتصار العقل على التعصب وانتصار الوطن على التفرقة والتمييز الطائفي.