هوامش في رحيل العمري
(1)
أثناء مشاركتنا في تشييع الجثمان الطاهر للعلامة الشيخ محمد علي العمري صباح الخميس: 23 صفر 1432هـ -من العوالي إلى جنّة البقيع-، لم ألحظ أية صورة من صوره ترفع! وعلمنا حينها أن جهة ما منعت ذلك!! وبالرغم من منعهم لرفع صوره مع الجنازة، إلاّ أن خبر رحيله حظي بتغطية الفضائيات ومواقع الإنترنت، وشاهد الملايين الجنازة وهي ترفع على الأكف.
الممانعون لم يعلموا أن الشيخ العمري يسكن في قلوب محبيه، وليس بمقدورهم أن يحجبوا ضياءه وتأثيره، فالشمس لا تحجبها الغيوم!
(2)
قبل أن تشرق الشمس لتشارك مع الآلاف في مراسيم التشييع، صّك مسمعي هديل الحمام من فوق النخيل، وهي تبثُّ حزنها لرحيل شيخها العمري.. حلّق بعض الحمام مع الجنازة، أما بقيّة السرب فقد سبقنا للبقيع الغرقد.
(3)
المشيعون اقتصروا على ترديد شعار: "لا إله إلاّ الله.. لا إله إلاّ الله"! ورددنا معهم.. علمنا أيضًا أن جهة ما ألحّت على أسرته أن لا يتجاوز الجميع هذه العبارة، والتزم الكل بها، إلاّ أنهم رفعوا أصواتهم بالصلاة على محمد وآله بين فينة وأخرى! قلت لصديقي المدني: إن الشعارات الصادقة تخيف الأصنام المزيّفة.
(4)
تعددت الوجوه المشاركة في التشييع، فقد قدم المئات من القطيف، ومثلهم من الأحساء، كما قدمت وفود من لبنان وإيران، و...إلخ. وهذا الحضور يكشف شيئًا من المكانة التي يمثلها العمري كونه رمزًا من الرموز المؤثرة في صنع الحالة الدينية، وتجذير الهوية الشيعية في المدينة المنورة.
(5)
بعد أن وِسِّدَ الشيخ العمري الثرى، كنت أمشي نحو الحرم النبوي الطاهر، فاستوقفني شاب قطيفي مع امرأته، وسألني بأي اتجاه ستمضي الجنازة؟ قلت له: لقد فرغنا من تشييعه، فهرول مع زوجته نحو البقيع، وهي تأسف وتندب حظها، لأنها لم تحظَ بشرف المشي خلف جنازة من نورٍ، مع الجموع المؤمنة!
(6)
بعد أن فرغت من مراسيم الزيارة والصلاة في الحرم النبوي الطاهر، وقفت أمام القبر الشريف مستغفرًا ربي وطالبًا الشفاعة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، وفي الأثناء لمحت شابًا غافل حرّاس العقيدة، ومد يده بشكل سريع؛ ليتبرك بالضريح المبارك لسيد الخلق! بعد هنيهة جاءه حارس آخر، وقال له: لمحتك من بعيد وأنت تصنع ما صنعت، وطلب من أحد الجنود أن يُصفده بالحديد وذهبا به بعيدًا! لا أدري ماذا حدث له، لكني أتوقع أنهم حرروا محضرًا يتعهد فيه الشاب بعدم تكرار فعلته الشنيعة المتمثلة في التبرك بالقبور!!
(7)
بعد الثانية ظهرًا خرجت من الغرفة مع ثلاثة من رفقاء الرحلة بقصد العودة إلى القطيف، وقدم نحونا شاب نعرفه، فسلّم علينا، وقال: إني أبحث عمّن يتغذى معي، واستجبنا له، فادخلنا غرفته، وقال: هذا الرز من مضيف الإمام الحسن (عليه السلام) الذي أسسه الشيخ العمري في مزرعته. لقد قام أهل المدينة الكرام، بإيصال الغذاء لمعظم لوفود التي قدمت من القطيف والأحساء، في الفنادق التي وفروها لهم، ولم يكتفوا بمضيف المزرعة! رحم الله الشيخ العمري، حتى في مماته لم ينسَ إكرام ضيوفه.
(8)
حين عُدتُ إلى القطيف -برفقة السيد عباس الشبركة- الساعة الخامسة من صباح يوم الجمعة، كنت أتساءل: هل سيعزم أحد كتّاب المدينة المنورّة على تخليد تجربة الشيخ العمري (1911-2011م) في كتاب، لتستفيد منه الأجيال القادمة؟
هذه أمنيتي، وهذا ما أتوقعه، فمن سيقرع الجرس؟