الشيخ المرهون ... نفس كبيرة
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام*
ما أصدق هذا البيت الحكمي على شيخنا المرهون، فإن نفسه الكبيرة أتعبت جسمه الصغير، وحمّلته فوق ما تتحمله الأجسام عادة. وهذه سمة من سمات العظماء، فإن العظماء لم يكتسبوا هذه العظمة بمنطق زائل ولا بزيف حائل، وإنما اكتسبوها بجد ومثابرة وصبر قلّ من يتحمله من أبناء البشر .
والشيخ المرهون عليه رحمات ربي اكتسب مكانة سامية وارتقى مرتقى عظيماً في تاريخ القطيف، لا لأنه ابن العلامة الشيخ منصور المرهون وكفى ــ وإن كان هذا شرفاً عظيماً ــ ولكنه عمل بقول الشاعر:
إنّا وإنّ كرُمت أوائلنا لَسْنَا على الأحْسَاب نَتَّكِلُ
نبْني كما كانت أوائلُنا تَبْني ونَفْعل مثلَ ما فَعَلُوا(**)
وجوانب العظمة عند الشيخ المرهون كثيرة، ويعجبني أن أسلّط الضوء على جانب واحد منها، وهو جانب الاهتمام بالتراث. فالملاحِظ لمسيرة الشيخ، يجده اعتنى عناية خاصة بالتراث القطيفي، جمعاً وترتيباً وتهذيباً ونشراً ..
وهذا الأمر فيه صعوبة بالغة، ويحتاج إلى جهد مضنٍ لا يشعر به إلا من مارس العمل فيه. خصوصاً وأن هذا التراث متناثر في أوراق متهالكة ودفاتر ممزقة ومحفوظات في الصدور قديمة، فقام الشيخ بعبء مؤسسة نشر وليس عبء فرد واحد، ونتج عن هذا الجهد نشر مجموعة كبيرة من الدواوين الشعرية والمؤلفات الأدبية والدينية والخطابية، ويقيناً نقول إن ما نشره الشيخ لم يكن من المؤمل أن يرى النور لولا الشيخ المرهون.
وكم كان بودنا أن يحذو الآخرون حذوه ويسلكون طريقه الذي سلكه في هذا الجانب، فإن في القطيف خزائن من العلم والأدب لم تكتشف حتى الآن، وذلك لأن بعض من رزقهم الله الاهتمام بالتراث اقتصروا على جمعه وتخزينه، لا على نشره .. وهنا طامة كبرى نرجو أن يلتفت لها.
كما أن من المناسب أن نشير في هذه العجالة إلى أننا نتمنى من أبناء الشيخ نشر ما لم يتسنَ للشيخ نشره في حياته، سواء من مؤلفاته الخاصة أو من مؤلفات الآخرين التي قام الشيخ بجمعها والاهتمام بها، ليُسدون بذلك خيراً كثيراً للمكتبة الشيعية ولأبيهم المغفور له. ولا يخفى أن هذا الجانب من حياة الشيخ جانب مهم, ولكنه ليس الجانب الوحيد في حياة الشيخ، بل حياة الشيخ مليئة بجوانب العظمة التي أحسّ بها كل من عاشر الشيخ أو من سمع عنه..
فرحمك الله يا أبا فرج بواسع رحمته ..