هناء
تحت ذرات غبار الهواء , وبين حبيبات رمال الصحراء , قبرت هناء أوراقها البيضاء .
وعلى شواطئ البحار , وعند سواحل المحيطات , سكبت هناء أحبار أقلامها .
وبين الأشجار وفي وسط الغابات , وعلى رؤوس الجبال تطايرت حروف هناء .
تقدمتُ خطوات نحو هناء , ولكن الخوف الذي تقمصني , سحب أقدامي أميال إلى الخلف .
وشروق وجه هناء , وإبتسامتها الساحرة , دفعتني لكسر حاجز الخوف .
أقبلت هناء بروحها البريئة , ونظرتها اللامعة , وبصوتها الشجي ناغتني .
ورسمت في ذاكرتي ؟ ؟ ؟ , وبمشاركة ! ! ! .
قالت هناء : أنت الأن يدور في مخيلكِ ألف ؟ ؟ ؟ , وألف ! ! ! .
قلتُ : نعم .
وبداخلي تتحطم أضلاعي رهبةً من المنظر , وتعجب من عبارات هناء.
خلع لساني كل الحواجز والقيود .
وقال : ياهناء لِما فعلتِ هذا ؟
وبأناملها الرشيقة , وريشتها البارعة , رسمت خطوطها الذهبية , ونثرت ألوانها الزهرية .
جلست الساعة على الكرسي , لِتوقف الزمن عن الدوران .
لكن عقلي الصغير والمحدود , ودورانه السريع أخذا في تحطيم جمجمتي من هول ما رأى .
ولكن لساني أنقذني , وقرأ ببراءته العشوائية , خطوط هناء وحلل ألوانها الزاهية .
خط الطفولة حق مقدس لا براءة تسحق بلهيب العمل , ولا أضلاع تغتصب بأنامل أوليائها , وأنوارها الملائكية لم تعد طفأ بخيوط الشمس المحرقة , والوحوش الضارية لم يعد لها نصيب من أشلاء براءتها .
كهول وشيوخ تحترم , وترفع على هامات القمم , وكل كهل وشيخ تمسح ذرات دموعه قبل أن تتولد .
وأنامل تسابق الزمن لخدمة أوليائها , ودور العناية بالآباء , لم تخلوا من ذرات الغبار بل خلت من أثاثيها .
وفلذات أكبادها تحرق قلوبها وتكسر أقدامها فداءً لآبائها , وتغرد الآباء في كل محفل عن تفاني فلذاتها في خدمتها .
وزهور تفتحت وفاح عطرها في شوارع مدينتها , وفراشات تحير لبها من أين تجني رحيقها , وعند أي زهرة تصفُ أجنحتها .
وتتعانق براعم الشباب مع أرواحها في حدائق زهورها , وعلى منابر النور تضيئ سُبل المحلقين حولها , لتزهوا في أحلى حلى وبعبارات متواضعة .
وتسير أقدام النساء نحو شاطئ البحر , وتفيض من حنانها على أمواج البحار , وتنسحب الموجة من اللمسة الناعمة الدافئة .
وتهمسُ في أعلى موجة عن مكانها المعانق للجبال , ومساحة عقلها وحروفها المنثورة في الفضاء , وبريق جوهر قداستها ينثر لآلئ الناظر لها .
قلت لهناء : هذه رموز كسرت قلبي !
وشتت شرايين قلبي !
قالت هناء : بحروف شطرت بمشرط الاختلاط والممزوجة بحروف الضحك وبدموع القلب المدفون تحت الركام .
لا أحزان لا دموع لا آهات , ولا عجلات تسحق تحت عناوين مبهرجة .
قالت هناء : انظري وحققي النظر !
عالم أبيض وشفاف , غلف بالمحبة والوئام ,لاتمل من تغاريدها الطيور الهائمة في فضائها .
بُث الموت سمومه إلى جسدي النحيل ولم يلفظ إلا حروف سُلبت منها الروح .
هل عالمنا يزخم بالهناء والعيش الرغيد , كما تتباها به هناء أم !!!