و ما زال للعجل خوار ! - الجزء الخامس
أوردنا في الأجزاء السابقة من هذه السلسة مجموعة من الحقائق التي تدل على مدى سعي التيارات و الأحزاب المنحرفة لإستخدام جميع الوسائل التي تخدم ما تؤمن به وما يوافق أجندتها و أهوائها ، فهي كما تسعى لتغيير العقائد وتحريفها لتوافق أهوائها ومنهجها فهي تسعى أيضاً للترويج بأن ما تؤمن به و ما تدعوا إليه هو من باب البحث والإجتهاد و من باب الرأي و الرأي الأخر ، ثم تحاول إستعطاف المجتمع برمي الأخر المخالف والمعارض لنهجها بــ"التطرف" و "السلفية" ثم تذهب بعيداً بأن "تطرف" البعض ربما يقوده لممارسة العنف ضدها ويساهم في سفك دمائها ! كما أورد ذلك بكل تبجح أحدهم في أحد خطبه مؤخراً !
فهذه التيارات و الأحزاب المنحرفة تسعى بكل الطرق لإستغفال المجتمع و ذلك برفع الشعارات والمسميات وتوظيفها لخدمة مصالحها و أجندتها ، ولكن هذا الإستغفال لم يعد ينطلي على أحد إلا على المطبلين لهم أو الجهله .
فإن كان ما يدعون له و يُروجون من أفكار هو من باب الإجتهاد فهو بلا شك ليس إجتهاداً شرعياً ، لأن الاجتهاد الذي يقبله الله تعالى هو ذاك الذي يكون متماشياً مع العدالة. والعدالة تقتضي - من جملة ما تقتضيه - أن لا يحيد المجتهد عن الأصول ولا يصادم نصاً شرعياً، فإذا حاد وصادم حكمنا عليه بالضلالة، ولا يشفع له اعتذاره حينئذ بأنه قد اجتهد، لأننا نعلم أن اجتهاده لم يكن متماشياً مع العدالة، بل هو وجه من وجوه الانقياد للهوى أو طلب الدنيا أو الإصرار على الإثم.
والأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة ، فهذه التيارات المنحرفة تجتهد في غير تخصصها وفي ما ليست هي أهلا به ، فإجتهادها و بحثها في بعض العقائد لم يكن من باب مصلحة الناس أو إهتمامهم بهم، بل كان من باب إن هذه العقيدة أو تلك لاتوافق أهوائهم ونهجهم، فارتأت أن تُفَّعِل هذا الباب وتخوض في العقائد ، و تجرح و تعدل كل ما لا يوافقها ويصطدم بمنهجها وكل هذا تحت مسمى الإجتهاد و العلم و تفعيل دور العقل و حرية الرأي و الفكر !
فكثرت بذلك الأصوات التي تنادي لتنقيح و تجديد التراث الديني و إزالة الهالة القدسية عن بعض الشعائر ، وكل ذلك تحت مظلة الدين تارة !! وتحت مسمى الإجتهاد والعلم و تفعيل دور العقل تارة آخرى ! ، فأقتحموا وأقحموا العقائد والثوابت من دون العوده للمتخصصين بذلك من السلك الديني وأساطين الحوزات العلمية ، وللأسف الشديد انجر لذلك بعض العمائم و رجال الدين و انخدعوا بنهجهم و خوار عجل سامريهم !!
فكل معتقد أو شعيرة خالفت عقولهم حتى و لو جاء بها كتاب الله عز وجل أو جاءت على لسان المعصوم صلوات الله عليه و لكنها خالفت عقولهم القاصره و مصالحهم الضيقه فإنهم يعارضوها و يحاربوها تبعاً لأهوائهم .
ولهذا أتباع مدرسة أهل البيت - عليهم السلام - لا تقبل إجتهادهم ، كمثل عدم قبولها إجتهاد من خاض في العقيدة و حاد عن أصولنا وصادم نصوص أئمتنا - عليهم السلام - في وجوب التبري من أعداء الله و أهل البيت عليهم السلام ، ووصفوه بــ" الضال المضل" لأنه يحمل أحكام وآراء لم تكن تتماشّى مع العدالة التي هي شرط من شروط الاجتهاد الذي يقبله الله تعالى ، إذ أنهم قد حادوا عن الأصول، وصادموا النصوص الشرعية، ولم يكن ما كان منهم اجتهاداً مقبولاً، لأنه لا يتماشّى مع العدالة، بل كان نابعاً من الهوى والرغبة في الدنيا وهو بذلك لاحرمة له ، قال الإمام الباقر عليه السلام : " ثلاث ليس لهم حرمة ، صاحب هوى مبتدع ، والإمام الجائر ، والفاسق المعلن للفسق "
ختاماً :
صحيح إن النقد مهم ولكنه إذا خرج من غير أهله وممن يحمل في طياته مآرب أخرى فإنه يكون غير صحيحاً، فهذه التيارات المنحرفة تسعى إلى تنامي الفكر الذي ينتقد و يشكك في كل مايطرح و يُزيل جميع الخطوط الحمر في المجتمع المتدين الذي يصعب عليهم اختراقه لتمسكه بالدين عموماً و رجوعه لمراجعه العدول و علمائه الأعلام في كل ما يخص أمور دينهم و دنياهم ، فهم بهذا الطرح و بفتح هذا الباب يستطيعو من خلال ذلك الوصول لكل ما يعارضهم و يخالف توجههم وينسفوه للوصول لمآربهم .
لذلك من الأولويات التي يجب على المؤمنين معرفتها والتبحر في علومها هي العلوم العقائدية وهذا ما لمسته عندما إستمعت لتوجية من سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي - دامت بركاته - في زيارتي الأخيرة له ، حيث أكد على أهمية دور الشباب والمثقّفين العاملين في الحقل الاجتماعي في التخطيط والعمل لجمع شباب المجتمع وحفظ عقائدهم والتركيز عليهم حيث أن هناك الكثير منهم ضائعون على عدة مستويات ، وهذا لكي لا يفتح الباب لأمثال هؤلاء المنحرفين ليبثوا في قلوب الشباب المؤمنين الشبهات ، لذلك علينا الأخذ من المراجع والعلماء الأعلام ، وذلك ليس من باب التقليد بل من باب الوسيلة لبلوغ الحجة والدليل في المعتقد لكي لا ينفذ خوار عجل هذه التيارات المنحرفة إلى قلوبنا و أسماعنا.