يا شيخ : أخشى عليك أن تُصبح كــ " أسد كشمير" !
كشمير منطقة ساحرة تقع في شمال شرق آسيا ما بين الهند وباكستان والصين ، وهي الأن إحدى بؤر الصراع بين المسلمين و الهندوس ، فبعد إحتلال الإنجليز لشبه القارة الهندية بما فيها كشمير وذلك عام ١٨٣٩م ، قام الإنجليز عام ١٨٤٧ م بعقد إتفاقيه غريبة ، تسمى بــ " أمريستار " والتي باعت بموجبها منطقة كشمير لأسرة " الدوغرا" وهي أسرة هندوسية ، لمدة مائة عام ! ، وذلك بمقابل (7.5) مليون روبية، أي ما يعادل مليون ونصف المليون دولار .و في خضم حكم هذه العائلة عانى الشعب الكشميري طوال قرن من الزمان لصنوف شتى من الإضطهاد والظلم، فلم يسمح لهم بتولي الوظائف المدنية أو العسكرية، وفُرضت عليهم الضرائب الباهظة وفرضت عليهم قيود شديدة في أداء العبادات.
في أثناء هذا الحكم ظهر رجل كان له الدور الكبير في تنظيم المظاهرات المحتجه والمطالبة برفع الظلم الواقع عليهم ، ويدعى هذا الرجل الشيخ محمد عبدالله ( ١٩٠٥م - ١٩٨٢م) .
بعد إكمال دراسته في جامعة " عليكرة الإسلامية " في الهند ، عاد الشيخ محمد عبد الله إلى بلاده كشمير وذلك عام ١٩٣٠ هـ ، وكانت حينما عاد إليها تعاني من تردي للأوضاع الإقتصادية و السياسية ، فانخرط الشيخ في المسار السياسي وعُرف كزعيم إسلامي وذلك من خلال خطبه المؤثرة في مسجد " حضرة بال " في مدينة سرينجار الكشميرية .
مما يعيب الشيخ محمد عبد الله إنه تأثر كثيراً بالأفكار القومية و الإشتراكية فجعل عباءة الخطيب وعمامة الدين وسيلة للوصول لأهدافه ولتطبيق تلك الأفكار ، و كان مما يعيبه أيضاً إنه كان شديد الحرص على الزعامة ومحباً للتصدر والظهور ، وكان يسعى للقيادة ولتطبيق ما يؤمن به من أفكار مهما كانت التضحيات والتنازلات ، فرغبته كانت جامحه ، ولكن بسبب نقص القادة في الساحة الكشميرية تمهد له الطريق في بداية الحراك للقيادة والزعامة .
كان لهذا الرجل دوراً كبيراً في الدعوة للمظاهرات التي غيرت في الواقع الكشميري وبسبب هذا الأمر أعتُقل و سجن وعذب مراراً من قبل الإنجليز ثم من قبل الهندوس، وبسبب هذا إرتفع صيته وصعد نجمه بين الشعب الكشميري حتى لُقٍِب بعد خروجه بقائد كشمير ثم تطور هذا المسمى حتى تم تلقيبه بــ " أسد كشمير " .
ظل " أسد كشمير " القائد الأوحد للشعب الكشميري، حتى ظهر قادة جدد في كشمير وكان لهم دور في قيادة الحراك ودخلو بذلك لقلوب الشعب وذلك لكونهم أصحاب مبدأ ، متمسكين بالدين ، وهذا الفعل جعل " أسد كشمير " في قلق دائم ، فأنقلب على المبادىء و وضع يده مع أعداء الشعب وقام بتقديم التنازلات تلو التنازلات للأخر وذلك ليبقي على منزلته ومقامه ولتقديمه للمجتمع الكشميري والحاكم الهندوسي كالقائد المعتدل والأجدر على القيادة في خضم هذا التنافس بين القادة و محركي التظاهرات في الإقليم !
فبهذه الأساليب إستطاع الشيخ الوصول لرئاسة الوزراء في كشمير بعد أن أسس و ترأس المؤتمر الوطني وذلك عام ١٩٤٨م ، ثم أطيح به بعد عدة خلافات مع حكومة دلهي وأودع في السجن ، ثم بعد ذلك إرتأت نفس الحكومة إعادة إستخدام ورقته ونصبته رئيسا للوزراء من عام ١٩٧٥ م ، ولم يقم بعد ذلك بأي شيء يذكر للقضية الكشميرية وذلك لحين وفاته في عام ١٩٨٢ م
في خلاصة ، إن الشيخ عبد الله كان شخصية متلونة كثيرة التقلب من ناحية ما يدعو إليه وما يقيمه من تحالفات حتى لو كانت على حساب المبادىء ، القيم والعقيدة التي يتمسك بها جميعاً عموم الشعب الكشميري ، مما أثرت على شعبيته في المجتمع الكشميري و أصبح بعد ذلك يلقب من " أسد كشمير " إلى "خائن كشمير" أو " فأر كشمير" !! ، فقراراته كانت عائقاً في طريق إنضمامهم لباكستان بسبب معارضته الشديدة لذلك ، و أيضاً منعت عنهم الإستقلال و الحصول على حريتهم .
أخيراً : صحيح إن الشيخ محمد عبد الله ساهم في حركة نهوض الشعب الكشميري ومطالبته بالحرية والديمقراطية ولكنه بعد بيعه للمبادىء و القيم وقع في الكثير من الأخطاء التي ساهمت في ضياع هذا الشعب و كانت سبباً في عدم حل قضيته التي إستمرت المعاناة فيها لأكثر من ١٠٠ عام ،
فالإنسان وخصوصاً من يتبوأ مركز القيادة عندما يتخلى عن المبادىء فإنه سيخسر بذلك القاعدة الشعبية التي يرتكز عليها ويخسر قبل ذلك نفسه ويصبح إلعوبه فيمن تحالف معهم ووضع يده بأيديهم، فهم سيستخدمونه لمصلحتهم في المقام الأول، فسيهمشونه إذا إحترقت ورقته ، وسيخرجونه ويبرزونه متى ما إحتاجوا ذلك .
وهذا كان فحوى نصيحة قدمها سماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي - رضوان الله تعالى عليه - في لقاء جمعه مع إحدى الشخصيات التي تركت البلد في فترة ما ، وشاركت في الحركة المطالبة بالحقوق و الحريات و التي وجد سماحة السيد في تلك الشخصية كثير من صفات الشيخ محمد عبد الله ، حيث حذره لما رأى ماعليه من ميل للتنازل و حماس و رغبة جامحة في الزعامة و التغيير ولو كان على حساب العقيدة والمبادىء ، ومع ما يحمله من تأثرات بمدارس فكرية منحرفة لا تضع الدين أولوية ، بقوله ( يا شيخ : أخشى عليك أن تُصبح كــ " أسد كشمير" ! ) ، وما نراه الأن من تلك الشخصية من كثرة التقلب والتلون ، ومن ثم التشكيك بالمعتقدات و الثوابت ، و إظهار ماعليه من تأثر فكري من مدارس منحرفة ، هو بلا شك يدل على إن هذه الشخصية وقعت فيما حذره الإمام الشيرازي - رضوان الله تعالى عليه - منه ، وإنه أصبح بالفعل كـ "أسد كشمير ".