إنهم يسرقون جهودي
ربما يوجد حولك من الزملاء منتشعر بالتعاطف معه بالرغم من أنه من المنافسين الأقوياء إليك لحيازة التقدير من المسئولين، والزملاء، والمستفيدين في بيئة العمل، لأنه من العاملين بجدٍ وإخلاص، ومن الكوادر التنفيذية المتميزة التي يحرص كل مدير، أو رئيس على الإحتفاظ بها من أجل تحقيق السمعة الطيبة له ولإدارته، ولا أبالغ إذا ذهبت لأبعد من ذلك وقلت : من أجل تعزيز فرصته للترقي الوظيفي.
وربما تكون أنت ذاتك من المشمولين بهذه " الحظوة الزائفة " وتعاني الأمرّين من استغلالك حتى النخاع من قبل رئيسك، أو زملائك الذين لطالما تفننوا في الإتكاء على الآخرين من حولهم من أصحاب النوايا الحسنة، والعطاء المتدفق، لبلوغ أهدافهم الوظيفية بطريقة ميسّرة دون مشقة أو عناءٍ يُذكر.
لا تحزن يا صديقي فأنت لست لوحدك في هذا التابوت الوظيفي الحارق، فلقد جمعتني الصدفة مع الكثير .. الكثير من هؤلاء المطحونين من أجل إبراز الآخرين ومساعدتهم على تحقيق التوهج الوظيفي بدرجة أو بأخرى، وإنني بالرغم من إعجابي بهذا السخاء والوفاء منهم، إلاّ أنني في الوقت ذاته أتعجب من القوة الخفيّة التي تدفع بهؤلاء للتضحية بجهدهم المُضني من أجل الآخرين من حولهم دون أن يجنوا شيئاً يُذكر لأنفسهم سوى رنين تلك الأجراس المعلّقة في أعناقهم ويستأنسون بقرعها كلما تحركوا ..!!
ليس غباءً منك ولا بلاهة أن تخلص لعملك ولرئيسك إذا ما أحسن التعامل معك وتحمّل مسئوليته الإدارية نحوك، ونحو غيرك من الموظفين المخلصين من حوله، كما أنه يُسجّل إليك بكثيرٍ من التقدير والإعجاب مساهمتك المؤثرة في دعم ومساندة زملاءك في بيئة العمل، ولكن مالا يُستحسن منك أن تكون آخر شخص يفكر في ذاتك أنت، وهنا يلزمك إعادة هندسة تفاعلك مع البيئة الوظيفية التي تحتويك لتحقيق نقطة التوازن بين رغبتك للتعاون، وحقك المشروع في تحقيق ذاتك.
ومن المهم بمكان – يا عزيزي – أن تدرك أنك إذا بالغت في تحقيق ذاتك بصورة إجتياحية ساحقة لكل من حولك فإنك بهذا السلوك الجشع تتحول إلى شخصٍ أناني بإمتياز وهنا ستنتج عن نشاطك المحموم هذا قوة طاردة عنك لزملائك الذين تتقاسم معهم واجبات العمل ، ولهم الحق في تحقيق ذاتهم ورسم صياغة بصمتهم الذاتية كما لك الحق تماماً، وفي المقابل فإنك إذا استحسنت أن تذوب في خدمة الآخرين من حولك من أجل الحصول على رضا الجميع، وفتحت الباب على مصراعيه لكل لاحسٍ ونابس أن يركب على أكتافك، ويحقق أهدافه فقط من خلالك،فاعلم أنك بهذه الطيبة البلهاء، والزهد اللامشروع، إنما تُساهم في ترسيخ بقاءك في القاع بينما الآخرون يتسلقون إلى القمة عبر سلالمك الآمنة، وأنت تنظر إليهم بحسرة وألم كنملة شاخصة بعينيها نحو السماء، وأنت تردد يا حسرتي لقد سرقوا جهودي.
هوِّن عليك أيها المتفاني في خدمة كل الناس إلاّ ذاتك. سمعتك طيبة كالمسك، ورصيدك الوظيفي مليء بالجواهر النفيسة، وألفٌ من المدراء يتمنّون أن تكون عن يمينهم ليحققوا التميز المنشود، لأنك تملك من الإمكانيات الشخصية والوظيفية ما يوفر الإطمئنان لكل من تسير بجواره، وتقف شامخاً من خلفه، ولكن يجب أن لا يغريك كل هذا " الحب المشروط " عن الإهتمام بوضعك، والإعلان عن احتياجاتك ورغباتك ما دمت صادقاً، مخلصاً، مُطيعاً، متفانياً، في أداء واجباتك.
أرجو أن تغيِّر من اسلوبك القائم في التعبير عن غضبك وعدم رضاك عن تعمُّد البعض لإستنزاف طاقتك، واستغلال طبيعتك، حاول أن تفقد الآخرين القدرة على التنبؤ بسلوكك لأن في ذلك قوة ضاربة لتحقيق ذاتك دون الإضرار بالآخرين، واعلم أن الضعيف هو ذلك الشخص الذي تسمع صوته مجلجلاً في كل مكان، وأن الرؤساء حتى ولو اعترفوا بحرفيتك، فإنهم لا يستحسنون الإحتفاظ بالأشخاص المتذمرين دوماً، ولأتفه الأسباب، وكن على يقين تام بأنك إذا لم تخطط لذاتك، فإنك ستصبح فصلاً تكميلياً في خطط الآخرين ليس إلاّ.
هل فهمتني ؟ أرجو ذلك .