ويبقى الحسين… معجزة
حبةُ رملٍ في أرض قاحلة جرداء تروم وصفاً لندى الماء
أو حبةُ رمل في قاعِ المحيط تتحدّث عن الهواء
أو ظلامُ ليلٍٍّ في بحرٍ لجّي يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ يُخبِر عن الضياء
أو عبدٌ مملوك مقرٌّ بالرّقّ يكتب عن سيّده سيّد الشهداء
كلهم في القصور سواء
أنّى لمثلي أن يخط حرفاً عن مثلهم ، إنما أنا متعيّش على مائدتهم، أبصر طريقي بنورهم.
ما أنا إلا متحدث عن فضلهم، ومثلي كمثل مرآة شابها كدرٌ فعكست بصيصاً من شعاع النور، فالقصور والعيب في المرآة، وكلما صفت المرآة وزال كدرها حسن ما تعكسه من شعاع النور.
فإن أكتب فعلى قدر فهمي وعقلي وصفاء فكري، راجيا القبول رغم القصور.
ويبقى الحسين… معجزة
فحينما يصف سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله حفيده الإمام الحسين عليه السلام بأنه ( مصباح هدىً )، ويسعى أعدائه على مدى السنين من بعد استشهاده عليه السلام، في إخماد نور هذا المصباح، بشتى الطرق والوسائل، وبكل ما كانت لديهم من قوة وسلطة، ومن تجبّر وطغيان، إلاّ أن نور هذا المصباح يزداد ألقاً، ويبقى متوهجاً، قد اهتدى بهذا النور الكثير الكثير وعلى مرّ العصور.
إنه من البديهي أن يكون كذلك ولا غير ذلك، فالخبرُ صحيحٌ صادرٌ عن ثغر من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى.
لذا ( ويبقى الحسين ) معجزة نور الهداية.
حينما يحب القائد جنوده ويسعى لحمايتهم ويطلب سلامتهم، ويفتديهم بنفسه وأي نفسٍ كنفس الحسين عليه السلام، فيُرخص لجنوده قائلاً: (… وأنتم في حلٍّ من بيعتي ، ليست لي في أعناقكم بيعة ، ولا لي عليكم ذمة ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وتفرّقوا في سواده ، فإن القوم إنما يطلبوني ، ولو ظفروا بي لذُهلوا عن طلب غيري )
وما كان من الجنود الذين كانوا يبادلونه الحب… أسمى درجات الحب، إلا أن يتسابقوا في نيل شرف الفداء والقتل دونه، نعم يفدونه بكل ما يملكون، فلا طعم للحياة ان بقوا بعده، وصور الفداء في كربلاء لا مثيل لها.
لذا ( ويبقى الحسين ) معجزة الفداء.
واجه الإمام الحسين عليه السلام جيش الأعداء المؤلف من ثلاثون ألفاً ( كما ذُكر في أقل الروايات)، واجههم بعدد قليل من الجنود، من أهل بيته والأصحاب، ورغم قلة العدد وخذلان الناصر، ورغم علمهم بما ستؤول إليه الأمور، فقد أعلن الإمام في بداية المسير وانطلاق الرحلة إلى الكوفة أنه ماضٍ إلى الشهادة ( كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات مابين النواويس وكربلاء فيملأن منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً.).
رغم ذلك صمد الأهل والأصحاب، وقد أخلصوا النية وقاتلوا دون إمامهم حتى الرمق الأخير، ولم يهرب أحداً منهم كما هرب آخرون في حروب أخرى، فلا خنوع ولا استسلام، ولا جبن ولا هروب.
لذا ( ويبقى الحسين ) معجزة العزة والصمود.
ولا يزال عطاء الحسين عليه السلام مستمراً لم ينقطع، فهذه مجالس الحسين عليه السلام أُنشأت بإسمه، مدارسٌ تنشر الفكر والتعاليم الإسلامية٫ وهذه قوافل العشّاق والزوّار وعلى مرّ الزمن كانوا ولا يزالون تبعاً للإمام الحسين عليه السلام، توسّموا فخراً بوسام الحب والمودة فصاروا ( زوّار الحسين )، وكما ضحّى الإمام الحسين عليه السلام بأفراد عائلته واصحابه في سبيل الله، وبنفسه الشريفة فداءً للدين.
لا تزال التضحية مستمرة لم تنقطع أبداً، وكل زوّار الإمام الحسين عليه السلام مشروع تضحية من الإمام سلام الله عليه، فلسنا بأعزّ من علي الأكبر عليه السلام، ولا أعزّ من أصغر جنديّ في ركب الحسين عليه السلام ألا وهو عبدالله الرضيع عليه السلام.
زوّار الحسين… ورغم كل ما جرى ويجري عليهم من تقتيل وتهديد وتنكيل بهم، إلا أن هذه القافلة لم ولن تنقطع أبداً، بل هي في ازدياد.
لذا ( ويبقى الحسين ) معجزة الحب والعطاء
لبس الزمان لابساً آخر غير الذي كان قبل عاشوراء الحسين، يوم أمطرت السماء دماً، يوم تحولت التربة في القارورة عند السدة أم سلمة رضوان الله عليها إلى دمٍ عبيط، يوم سُفك دم الحسين عليه السلام مذبوحاً من القفا (" وأي دمٍ في كربلا قد سفكا ").
ويبقى الحسين معجزة ( يوم انتصار الدم على السيف ).
السَّلام عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ ، وَأنَاخَت برَحْلِك، عَلَيْكًُم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ أهْلَ البَيتِ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.