اليابان دولة العدل الإلهي!
تتسابق دول العالم في تحقيق الإنجازات في كثيرٍ من الأصعدة والحقول الميدانية كالطب والهندسة والإقتصاد والصناعة؛ إلى غير ذلك من الميادين التي تسعى الدول إلى طرق أبوابها وأخذ يد السبق في تحقيق أي إنجازٍ يُذكر تسجل اسمه فيه.
تلك الإنجازات المختلفة والأرقام المحققة تعتبر مفخرة لكل دولة، وكل مواطنٍ يفخر بين العالم بما تحققه دولته من إنجازاتٍ تخلّد بها اسم وطنهِ على مر التاريخ، وتسجله بماء الذهب. ولكَ أن تقلّب صفحات التاريخ لترى إنجازات الدول الكبرى والصغرى على حدٍ سواء وكيف غيّر علماؤها مجرى التاريخ.
وبالطبع من حق أولئك الناس أن يتغنوا ويترنموا بتلك الإنجازات التي تجعلهم ظاهرين على خريطة العالم ويُشار إليهم بالبنان في كل محفل.
غير أنه من الخطأ الجسيم أن تُقرن تلك الإنجازات - كالوصول للفضاء وإنشاء مفاعلات نووية أو حتى صناعة طائرات ومعدات حربية - بالحق، وأن يثار الأمر على أن الحق متوقفٌ على معرفته بتلك الإنجازات.
كون أن تلك الدولة تمكنت من صناعة صاروخ - أرض جو - لا يعني أنها على حق وأنها أصبحت دولة العدل الإلهي التي لا يأتيها الباطل من بين يديها، وإلا فدولة كاليابان يجب أن تمثل الحق - حسب مبانيهم - لما لها من دور كبير جداً في تطور وتقدم الإنسان في شتى المجالات. كيف لا، وهي التي نفضت غبار الحرب بعد القاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما والتي دمرت 90٪ من مباني ومنشئات المدينة، وقتل أكثر من 80 ألف شخصاً، لتصبح رائدة التطور! فهل يقول قائل أن اليابان هي دولة العدل الإلهي؟!
إن ذلك المبنى أو الميزان في معرفة الحق إنما هو ناشئ عن سوء فهم وإدراك، فكما أن الحق لا يُعرف بالرجال كما يقول أمير المؤمنين علي ، فالأمر ينطبقُ كذلك على الدول وأنها لا تُعرف بالحق لكثرة إنجازاتها. فتلك أمور دنيوية لا ارتباط لها بما يقال وينشر هنا أو هناك، وهي مفاهيم مغلوطة تُلبِس على الناس في معرفة الحق وأهله.
والأمرُ كذلك لا يقتصرُ على الإنجازات، وإنما كذلك على الفتوحات أو الكتل والأحزاب السياسية، فكل ذلك لا قيمة له إن لم يكن له أساس ديني. وإلا فليمجّد بصلاح الدين الذي حرر القدس والأراضي اللبنانية من الصليبيين، أو جنكيز خان! وبالتالي فإن القوة والعدة والعتاد وكثرة الإنجازات ليست دليل على الحق أبداً.
والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يقول ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [1] ، إن تلك الأعمال يصفها الإمام الصادق بأنها أشدُ بياضاً من القباطي ”ثياب بيض“ [2] ، ومع ذلك فهي لا قيمة لها عند الله سبحانه وتعالى بل هي كالغبار المنثور. وعليه؛ فإن تلك الإنجازات والإنتصارات إنما هي مؤقتة ولا اعتبار لها خصوصاً إن لم تكن مرتكزةً على أسس دينية قويمة.
إن على الشيعة أن يفخروا بمدرسة أهل البيت وقوتها الفكرية والعلمية التي ”أبقت هذا المذهب في هذه القوّة والمنعة رغم صعوبة التحدّيات التي واجهها طيلة تاريخه وتكالب الزمان والأعداء عليه وتعاقب السلطات الجائرة“ [3] .
وبالتالي؛ ف ”النهضة العلمية للإمامين الصادقين صلوات الله عليهما تفوّقت على جميع ثورات عصرها، بل تفوّقت حتى على الدول الشيعية التي قامت عبر التاريخ حيث أنها انتهت جميعاً بينما هي مستمرة في قوّتها وعطائها وحيويتها“ [4] . فالفكر والعلم المحمدي مستمرٌ؛ بينما بقية الأمور إلى زوال ونفاد.