شهر رمضان والارتباط بإمام الزمان
قال الرسول الأعظم : «أيها الناس أنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي».
إن شهر رمضان شهر استثنائي متميز عن بقية الشهور، تميز وأختص بعدة مميزات وخصائص جعلت منه شهراً مرتبطاً برضا الله عز وجل وغفرانه، ومن مميزات هذا الشهر وخصائصه ارتباطه بإمام الزمان الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
ومن دلائل هذا الارتباط ما ورد عن الإمام الصادق في حديث طويل يتحدث فيه عن آداب شهر رمضان ذكر منها انتظار أيام ظهور الإمام المهدي وإعداد النفس لوعد الله بالدولة المهدوية، حيث قال : «وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم من آل محمد، منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله».
وفي جانب الدعاء فقد أختص الإمام المهدي عجل الله فرجه بفقرات كثيرة من دعاء الافتتاح المروي عنه روحي فداه، والذي يستحب أن يدعى به في كل ليلة من ليالي شهر رمضان، وقد تناولت فقرات الدعاء جوانب متعددة توثق الارتباط بالإمام ، منها فقرة الصلاة الخاصة على الإمام المهدي وهذا ما لم يختص به أحد غيره من المعصومين عدا الخمسة أصحاب الكساء عليهم الصلاة والسلام، حيث ورد في الصلاة عليه: «اللهم وصل على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين وأيده بروح القدس يا رب العالمين».
ثم تليها فقرة أخرى من الدعاء تؤكد على انتشار الإسلام وظهوره على جميع الأديان في زمانه عجل الله فرجه: «اللهم اظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق».
وفي الجزء الأخير من الدعاء ذكر الدولة المهدوية العالمية وما تتضمنه من مواصفات خاصة لم تعرف من قبل: «اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة».
كما ورد في دعاء آخر مروي عن الإمامين السجاد والباقر صلوات الله وسلامه عليهما، يستحب الدعاء به في كل يوم من أيام الشهر الفضيل، يتضمن الدعاء بالنصر للإمام والعناية من الله له: «اسألك ان تنصر وصي محمد وخليفة محمد والقائم بالقسط من أوصياء محمد صلواتك عليه وآله».
وجاء في الصلاة على النبي « » التي يستحب أن تقرأ في كل يوم من أيام شهر رمضان: «اللهم صل على الحسن بن علي - العسكري - ووال من والاه وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه، اللهم صل على الخلف من بعده إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وعجل فرجهم».
وجاء في مقطع آخر الدعاء بتمكين الإمام في الارض وطلب التوفيق من الله لنكون من انصار الإمام وأتباعه ومن المقتدين به والآخذ بثأرهم: «اللهم اخلف نبيك في اهل بيته، اللهم مكن لهم في الأرض، اللهم اجعلنا من عددهم ومددهم وأنصارهم على الحق في السر والعلانية، اللهم اطلب بذحلهم ووترهم ودمائهم».
كما لليالي القدر المباركة أشد الارتباط بالإمام عجل الله فرجه الشريف، فقد ورد في الليلة التاسعة عشرة أن الملائكة « تتشرف بالحضور لديه فتعرض عليه ما قدر لكل أحد من المقدرات » لجميع الناس من شؤون السنة المقبلة، كما لا يخفى على المؤمنين عرض أعمال العباد على الإمام الحجة فينظر فيها، ورد عن الإمام الباقر : «أترون أن ليس لنا معكم أعين ناظرة، وأسماع سامعة؟ بئس ما رأيتم، والله لا يخفى علينا شيء من أعمالكم، فاحضرونا جميعاً، وعودوا أنفسكم الخير»، فما أجمل أن يرى في أعمالنا في شهر رمضان ما يدخل السرور على قلبه المبارك من دعائنا له بالحفظ وتعجيل الفرج له.
وفي الليلة الثالثة والعشرون ورد عن مجموعة من الأئمة قالوا: «كرر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً، وعلى كل حال وفي الشهر كله وكيف أمكنك، ومتى حضرك من دهرك.....، اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة....» إلى آخر الدعاء، وما في أعمال ليالي القدر العامة من التوسل بالإمام بدعاء رفع المصاحف على الرأس وغيرها من الأدعية، وجاء عن الإمام الصادق في فقرات دعائه عند دخول شر رمضان والتوسل بالإمام الحجة وآبائه الطاهرين: «يا سيدي في من اعوذ وبمن ألوذ؟ كل من أتيته في حاجة او مسألة وسألته فائدة فإليك يرشدني وعليك يدلني وما في عندك يرغبني فأسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.... والحجة القائم بالحق صلواتك يا رب عليهم اجمعين وبالشأن الذي لهم عندك فإن لهم عندك شأناً من الشأن ان تصلي على محمد وآل محمد...» فما أجمل أن نسأل الله ونتوسل إليه بمولانا صاحب الزمان في أيام وليالي شهر رمضان.
كما ان من تكاليف العباد في عصر الغيبة الدعاء للإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، بالحفظ والسلامة والفرج والنصرة، فقد ورد عن الإمام الرضا دعاء طويل لإمام العصر جاء في مطلعه: «اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك...» إلى آخره، وشهر رمضان هو خير موسم وفرصة للدعاء فهو ربيع الدعاء كما هو ربيع القرآن.
إن هذا التأكيد من الأئمة «السجاد، الباقر، الصادق، الرضا، المهدي» صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بضرورة استشعار حضور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ووجوده المبارك وارتباطنا به في شهر رمضان المبارك يأتي لتقوية العلاقة بين الأمة وإمامها الغائب الحاضر، وتهيئتها لأيام ظهوره وإعداد النفس لنصرته والتضحية بالنفس والمال في سبيل مبادئ دعوته ونهضته المباركة.
إن هذا الارتباط بين شهر الله رمضان المبارك وبين حجة الله الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه، يأتي ضمن منظومة برنامج شهر رمضان الذي يهدف لإعداد النفس البشرية لترتقي نحو الكمال الإنساني لتصل نحو القرب الإلهي، وتمام هذا القرب الرباني وطريقه لا يكون إلا بمعرفة حجة الزمان وإمام العصر وهو في زمننا هذا الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف، ورد عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: «ونحن الأعراف الذي لا يعرف الله عز وجل إلا بسبيل معرفتنا، ونحن الأعراف يعرفنا الله عز وجل يوم القيامة على الصراط، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه».
إن هذا الشعور بقرب الإمام وحضوره المقدس ينبغي ان يستمر طوال العام، فشهر رمضان ليس إلا محطة لإعداد النفس للاتصال بساحته المباركة، وليكون في عام مقبل محطة انطلاق جديدة لزيادة معرفتنا بحجة العصر وتوثيق علاقتنا بإمام الزمان عجل الله فرجه الشريف.
«اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره وعجل لنا ظهوره، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً، برحمتك يا أرحم الراحمين»