آفاق الحسين (ع)
تؤكد النظرية المعرفية على محدودية المعرفة الانسانية، وعجزها عن الإحاطة بكل جوانب العلم والمعرفة، لذلك لابد للإنسان من المعرفة، واستمرارية ذلك بالممارسة أو الخبرة التراكمية.
والغاية من العلم «الإبستيمولوجية» تشكل جانب محوري لذلك تكثر عند الإنسان المفكر التساؤلات حول معرفة الغاية من الشيء ومدى أهميته، فقضية دراسة التراث والرجوع للأصالة قد وضعت على طاولة التشريح الفكري، لأعوام طويلة لمعرفة مدى أهمية دراسة الفكر الإنساني وتراثه المادي والفكري، فذهب البعض بان هذا التراث يشكل معوق لانطلاق الفكر الإنساني، ولا بد من الحداثة!
وقد ذهبوا بعيدا ليرفضوا الرجوع للوراء التاريخي فلا قيمة لإعادة تواريخ شخصيات قد اسسوا قواعد الحياة الفكرية للبشر؟
ليست المشكلة في دراسة الشخصيات التاريخية بقدر اختيار الشخصية المناسبة للدراسة وإعادة ذكراها، ان مصيبة الإمام الحسين قد مر عليها أكثر من الف وأربعمئة عام، فما الجدوى من إعادة حادثة تاريخية قد مرت عليها كل تلك الأعوام؟
صحيح انها من حوادث التاريخ وقد ملئت صفحات التاريخ بالمآسي والويلات التي يندى لها جبين الإنسانية، ولكن كل حادثة كان لها وقتها وتمضي بمضي الأجيال، فما بال هذه القضية الحسينية وكأنها قد وقعت اليوم وليس بالأمس؟ انه السر العظيم انه الارتباط بينها وبين الله، هل قيل في قضية من قضايا التاريخ او شخصية مضت كما قال رسول الله صل الله عليه وآله «مكتوب على ساق العرش إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»
ان هذا الحديث يؤسس لفكر عظيم لشخصية قدسية اختصها الله بخصائص لا ينافسها فيها احد في الوجود، والإمام الحسين قد حظي بتلك الخصائص دون غيره من الأنبياء والرسل من لدن آدم إلى ان يبعث الله الأرض ومن عليها ومن تلك الخصائص التي تشكل أفق من آفاقه القدسية والتي من خلالها يعرج العبد إلى الجنان هي بكاء الوجود له فليس هناك احد لم يبكه كما جاء مفصلاً في كتاب الخصائص الحسينية.
لقد أسس الرسول الأعظم القاعدة الولائية لسبطه الشهيد ليعرف العالم من هو الحسين الشهيد كما جاء في الرواية عن الباقر «كان النبي صل الله عليه وآله في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل عليّ أحد، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبي صل الله عليه وآله، فدخلت أم سلمة على أثره، فاذا الحسين على صدره، وإذا النبي صل الله عليه وآله يبكي وإذا في يده شيء يقّبله. فقال النبي صل الله عليه وآله: يا أم سلمة، إنّ هذا جبرئيل يخبرني أن ابني هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي....»
هل هناك حدث تاريخي قد مهد له مثل حدث الإمام الحسين ؟
للحسين خصوصية في زيارته فقد روي في الحديث «إن تارك زيارته منتقص الايمان، قاطع لحرمة رسول الله صل الله عليه وآله ورحمه وقد عق رسول الله صل الله عليه وآله» وفي رواية: ليس بشيعة، وفي رواية: تارك حقاً من حقوق الله ولو حج ألف حجة وفي رواية: محروم من الخير.
هل هناك من قرنت زيارته بالله؟ كما جاء في الرواية «أنّ من زاره كان كمن زار الله في عرشه»
ان الانفتاح على قضايا التاريخ يوسع الآفاق للوصول إلى أفق أوسع وأرحب ليخلص بنتيجة أن تخليد الحسين لم يأتي من فراغ فقضيته من قبل ان يخلق الله الأرض ومن عليها، بل سارت قضيته على طول مسار الأنبياء فلا يوجد نبي او رسول بعثه الله من لدن آدم إلى رسولنا الأعظم صل الله عليه وآله، لم يتعايش مع قضيته ويحزن لها.
يقول الإمام الصادق «كلّنا سفن نجاة، وسفينة جدي الحسين أوسع، وفي لجج البحار أسرع» كلهم صلوات الله عليهم سفن نجاة، ولكن خصوصية الإمام الحسين كانت متفردة ومن تبعه حقق العبادة التي قال الله عنها «وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون» فمن تمسك بالحسين نجا لانه انفتح على آفاقه الرحبة، فكل خدمة يقدمها الفرد بنية حب الحسين لا يمكن ان لا يكون لها اثرها الدنيوي والأخروي فخدمته تمثل نوافذ مطلة على الجنة.