حين يرحل يوسف
* مهداة للفقيد الراحل خادم أهل البيت الشاب يوسف الذي وافاته المنية في ثالث أيام عيد الفطر 1430هـ
(1)
للتو خرج من أعشاش ملائكته لمعايدة أحبابه ، مختزناً الفرح بحجم الضوء في تقاسيم وجهه .
الليل المتشح بالسواد بالكاد يفتح بؤبؤ الضوء قدامه ، مرة ينظر عن شمأله ومرة عن يمينه كملائكة الله الموكلين برقاب العباد مع فارق المقامات .
لم يكن يدري لما أخذ الحذر منه مأخذه ، ولما صرير الهواجس يسري بعنف في جسده ليعزف على وقع دقات قلبه كطنبور قبائل الامازيغ في صحاري إبراهيم الكوني .
شعر بالاختناق يأخذ بتلابيبه ، فتح أزراره وأكمامه وشمر عن ساعديه وأخذ يهفهف بيديه ،عل نسمة غضة ولو واحدة تجد طريقها إلى رئتيه الولهى ، لم يكن هواء التكييف البارد جداً بقادر على أن يمده بسبعة أبحر من ألطافه وسط هذا الجو القائظ لهذا قرر فتح نافذة السيارة ليعُبَ الهواء الطلق عله يُخرج حشرجته التي تكاد أن تأخذ بزمارة رقبته إعياءاً قبل أن تزف آزفته .
لم يكن ليفتح نافذته الزجاجية وإذا بالطامة الكبرى قد حدثت .
(2)
كيف ومتى ولما ؟
كل ما لم يكن بالحسبان تُسمعه إياه صرخةُ البجع قبل الوجع ، فهي أدرى بمواقيت ومناسك الرحيل .
لم يكن يدري كيف امتدت يد القدر في اللحظة المناسبة للمقود لتضبط إيقاع الحركة بلا شعور في هذا المشهد الدرامي الصارخ ، لعلها يد الغيب قد امتدت لتمسك بلطفها ساعة الزمن لتعيدها للحظة الصفر للحظة التجمد ، منتشلة قلبه الساكن بين أضلاعه وهواجسه وبحر خوفه إلى ضفة الأمان حيث .... .
(3)
ترى هل تردع هذه المفاجئات بلطجة الفرامل العابثة وهي تزرع قنابل الموت الموقوتة على ضفاف الطرقات بلا حساب ، استفاق من غشوة ذهول قدره معترضاً بسيارته ، أما ذاك البلطجي وبكل برود فقد استل نفسه كما تُستل الشعرة من العجينة مهرولاً بمهارة الحيات الرقطاء.
ما هي إلا بضع خطوات ، أعاد ذاك العابث عزف نوتة الموت النشاز على جسد الشارع المدمى بنزق الطيش المعشعش في عقول (الأبضايات) الجدد بلا توقف .
(4)
هل بقي للفرح متسع في القلب ؟ أو بصيص ضوء يعيد الحركة لبؤبؤ عينية الجاحظتين من الخوف ؟
المُشاهد خارج مسرح الأحداث ربما يصاب بالذهول فكيف بمن هو في قلب الحدث ، وقلب الزمن وتراً في غمد المصائب .
(5)
أغمض عينيه لبرهة يستنزل السكينة على قلبه يسلي طفلته المكفهر وجهها المعولة نحيباً ، بعد إن احتضنها شعر أنها وهبته كل كنوز الطمأنينة وكل بيارق الأمل عدا جوهر براءة الطفولة ، المربع الأول للروح الإنسانية.
(6)
لا شك أن حلاوة هذا العيد بعد الذي حدث ، ستظل تشبه عسل بصل البهلول وهو يقدمه للخليفة الأمين بدل النحل وحين يسأله هل هذا عسل؟ يجيبه هذا العسل قبل أن يوحي ربك إلى النحل ، وإلا لكانت الفرحة والحزن سيان بلا طعم قبل المصيبة وبعدها ..
صرخ في داخله .. أيه .. يا هذا إنه العيد .. إنه الفرح رغم مرارة الحياة فلم لا تخرج يا مارد الحزن الملعون
أتريد أن يكون قلبي أفرغ من فؤاد أم موسى .
(7)
طرق الباب وهو يدلف وحرارة الشوق للأحباب تحدوه ليمسك بحميمية الأكف والوجنات ليطبع عليها قبلات بحجم الشوق العارم ، رغم كل التحذيرات الطبية أثر انتشار أنفلونزا الـ .... .
(8)
سمر الخلان فاكهة ثمينة لا تأتي إلا في مواسم خصبها ، تارة لتقطف من زهر الخدود قبلات وأخرى منادمة تعرف كيف تقرأ بعمق لغة الجسد لا بل جسد الروح ، وشفيف ألوان البوح .
من قال أن الأبجديات تمتلك مفاتيح الكلام ، أو البوح بنزف الأعماق .
حين تقترب الأقمار من ماء النفوس يفيض البوح من حيث أفاضت الدعابة ، إنه العيد وكفى .
(9)
الأطفال يتحلقون كنشوة الكواكب في سديم الحب ، يدخلون ، يهربون كلما حلا لهم المقام ، يوزعون حلوى الابتسامات ، يمهرون النفوس بأحبارهم الملونة بألوان قزح ، يختفون كفقاقيع الصابون الملونة ، يعودون في قاع فناجين الشاي سُكراً لينفذوا بسلطان روعتهم إلى كل خلايانا .
(10)
الجوال يتحدث بصمت ، تغيرت ملامح المتلقين ، أمعنوا في الإنصات ، الندماء أصبحت عيونهم مرآة علاها ضباب الهواجس .
فيصل : لا حول ولا وقوة إلا بالله
رحل يوسف.
خليل : كيف ومتى وأين ؟؟؟؟ ترك الشاي الأخضر بعد أن أجدبت الطبيعة ، حوقل نادباً .
عبدالله : في يوم العيد !!! يا الله
يحاول الندماء التأكد من الخبر ، الشبكة لا يوجد بها أي مؤشر ، يخرج علي بالقرب من الباب، يتصل ، يأتيه الخبر رحل يوسف وكذلك أخت زوجته .
العاشرة والنصف ليلاً بدأ تشييع يوسف.
أما أخت زوجته فتم تشيعها في وقت سابق في مدينة القطيف.