مجتمع الكوفة في زماننا
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
حينما نغوص في غمار التاريخ ونبحث بين طوايا السير نجد أن مجتمع الكوفة في منتصف القرن الأول من الهجرة، وتحديدا عند ثورة أبي عبد الله الحسين كان المنتحلون التشيع والمنتسبون لأهل البيت على ـثلاثة أقسام:
- القسم الأول: الذين وقفوا مع الحسين وبذلوا الغالي والنفيس لنصرته وكانوا خير محام مدافع عن أهل بيت النبوة، وهذه الفئة تمثلت في الذين حاربوا بين يديه واستشهدوا معه كحبيب بن المظاهر الأسدي ومسلم بن عوسجة.
- القسم الثاني: هم الذين أحبوا الحسين بقلوبهم وعشقوه بأفئدتهم، لكن لم يترجموا هذا الحب على أرض الواقع بل وقفوا موقفا سلبيا من ثورته فلم يرفعوا سيفا ولم يطعنوا برمح بل كانوا أحلاس بيوتهم، فكانوا رموزا للتخاذل والخيانة كالنعمان بن بشير.
- القسم الثالث: هم الذين استغلوا دماء شهداء عاشوراء للتسلق على أكتاف الآخرين وخدمة مصالحهم الشخصية، وركبوا موجة الثائرين على حكم بني أمية والمطالبين بالثأر لدم الحسين رغم أنّهم شركاء فيه إمّا بسكوتهم وإمّا بدعمهم غير المباشر للأمويين، ولعل أجلى مصاديق هذا القسم هم بنو الزبير.
وبعد قرابة الألف وأربعمائة سنة لفت انتباهي أنّ الأقسام الثلاثة لازالت قائمة وموجودة في مجتمعنا الشيعي إلى يومنا هذا!
فالقسم الأول: هم الذين تفاعلوا بشكل إيجابي مع الأحداث الأخيرة، الذين حركتهم دماء الشهداء الزكية فبذلوا الغالي والنفيس لنشر ظلامتهم وايصال صوتهم إلى كل العالم، سواء بالتوثيق الإعلامي أو تنظيم مواكب أو لجان شعبية أو دعم مادي أو معنوي أو...
- أمّا القسم الثاني: فهم الذين كان الصمت دأبهم، فلم تحركهم حتى هذه الدماء التي سالت، ولم يسمع منهم أي موقف بل لم يرى له عين ولا أثر، ولا أدري إلى متى سيستمر سباتهم الطويل؟!
- القسم الثالث: الفئة التي تسلقت على دماء الشهداء الزاكية لتمرير مشروع ما داخل المجتمع المؤمن، فتجد منهم من يركز على قصّة شعر شهيد أو ملابس شهيد آخر ليجعل منها قضية رأي عام!
وآخر نسي أشلاء كلّ الشهداء التي تطايرت في كل مكان ولم يجذب انتباهه إلا وجه أم الشهيدين «أم طاهر» وأنّها لم تكن لتصل لهذا المقام لولا كشفها لوجهها!
وزاد في الطين بلّة عندما زعم أنّه مطمئن بأنّ الحوراء زينب كانت مكشوفة الوجه أيضا ولم تكن تستر وجهها؟!!
إنّ هذه الأصوات النشاز أرادت أن تستغل هذه الوحدة الشيعية غير المسبوقة في مجتمعنا، حيث أنّ دماء الشهداء أنستنا كلّ اختلافاتنا الداخلية ووحدت صوتنا، وتجييرها لتمرير مشروعهم السمج الذين حاولوا عبر سنين طويلة انجاحه لكنه خاب وخابت مساعيهم في الدنيا والآخرة.
ومن هنا فإني أهيب بالإخوة المؤمنين أن لا يقعوا في فخ بني الزبير وإن تلبّس بعمامة سوداء ووضع زي العلماء وتكلم بمنطق الحكماء، لكي لا نهدر دماء شهدائنا وتضيع في خضم النزاعات التي يريد هؤلاء أن يثيرونها!