دمعة على أبي حكيم
أكُنتَ أنتَ الذي في القبرِ؟، كنتُ أنا في الذّكرياتِ، كِلانا مُرتَدٍ كَفَنا!
مرَّ السّحابُ على جَبّانةٍ.. ومضَى،
أرادَ يُمطِرُنا لكنّهُ جَبُنا..
بي غُصّةٌ.. أيّها الدّمع انفَجِرْ وأرِحْ،
ما حُجّة الغيم، يا دمعي، إذا اختَزَنا؟!
أبا حكيمٍ، وحسبُ الذّكريات إذا
هاجتْ.. تطيرُ بنا، تهوي.. تفيضُ بنا!
تعلُّنا من كُؤوسِ الفقدِ، نشربُهَا
برغمِنا، وعلى مُرٍّ، وتشربُنا
ما أعجب الموتَ إذ ينحو بنحْلتِه،
هو الذي لَسَعَ المثكولَ وهو جنى!،
وكلّ تفْصيلةٍ تنهيدةٌ وجَعٌ،
و... كان في هاهنا يوماً.. ومرّ هُنا!
لو التّفاصيلُ في وسعي حِياكتُها،
نسَجتُ من سيرةٍ معطاءةٍ وَطَنا!
أبا حكيمٍ، تُراني في الكلام ضَنىً؟،
فإنَّ في الصّمت، لو تدري، كثيرَ ضنى..
قلبي ثقيلٌ، وهذا الصّبرُ كَفّتُهُ الأخرى،
وزَنْتُ الأسى بالصّبرِ فاتّزَنا،
أبا حكيمٍ، سلاماً، لستُ أذخُرُهُ
إلا لمثلِكَ، حُزناً لا قبيلَ ثَنَا،
مررتَ بالأرضِ، لا حقداً ولا حسداً،
ولا رياءً، ولا غدْراً ولا إحَنا،
ولا تَكاذُبَ، لا غِلاً ولاضَغَناً،
ولا تكالُبَ، لا ناراً ولا فِتَنا،
الأريحيون في الأيّامِ نعمتُها،
وكُنتَهَا.. فابتهِجْ!، لم تخذلِ الزَّمَنا!
أحزانُ قلبك لم تبخَسْ طُفولتَهُ،
ولم تكُنْ لسوى الإيراقِ مُرتَهَنا،
لم تُلْوِك الرّيحُ، لم تخضَعْ لحكمتِها،
وأنتَ مُذ عَرّفَتْنيكَ الحياةُ.. قَنا!
يا ألطفَ النّاسِ في وَصْلٍ، وأنبلَهُمْ
مُصافَحاً، يا أشدّ الزّاهدين غِنى!
مِن كوثرِ الطّيبِ.. أصفى الطِّيب أطيَبُهُ،
وكمْ عطايا نُفُوسٍ ترتجي ثَمنا!
وقابضاً جمرةَ الدربِ الغريبِ، وهلْ
ذاق الأمرّين إلا من به امْتُحَنا؟!
وجاهزاً دائماً للحُبِّ، تمنحهُ،
ما ضَرَّ دربَكَ من آذى ومن شَحَنا،
هلْ أدركوا أنّ صِدقاً فيكَ ينقُصُهُمْ؟،
فَلَيتهُم كالمرايا واجهَتْ فَطِنا،
تعيشُ أنتَ، ويفنى آخرون، لهم
مردُّهم - كَهباءاتِ الغُبارِ - فَنا!
أبا حكيمٍ، وكُلٌّ في طريقتِه،
ينحو إلى الله إنْ سِرّاً وإنْ عَلَنا،
إن لم يكنْ حُلُماً تامّاً، فبعض كَرىً،
أو لم يكُنْ يقظةً فُصحى، فبعضُ سنى!
أنت اتّخذتَ حُسيناً منهجاً شَرَعاً
وغايةً، واتجاهَ الرّيحَ والسُّفُنا،
ركبتَ متنَ البحارِ الهوجِ، مُلتمِساً
يَدَيْ حُسينِكَ ربّاناً ومؤتَمَنا،
أن تنزلَ القبرَ في وقت الحسين.. فذا
أمرٌ عجيبٌ غريبٌ أوَّلَ المِنَنا،
من المُلقِّنُ؟!، لا ندري.. تأخّر؟، لا..
تهيّبَ الأمرَ، لمّا للضّريح دَنَا..
.. وذاكَ أنّ حُسيناً جَاءَ خادمَهُ..
وَقَالُ: نمْ مُطمئنّ البالِ.. أنتَ لنا!
كأنّما أحْنَت الجنّاتُ سِدْرتَها
عليكَ واحتَفَلَتْ يومَ الحُسينُ حَنا..
الكربلائيُّ فيك اختارَ رحلَتَهُ،
مع الحُسين على ميقاتِه دُفِنا!
من نامَ في ليل عاشوراءَ حقَّ لهُ..
أن لا يموتَ، وأنْ لا يعرف الحَزَنا!
أبا حكيمٍ، رضَاً بالله جَمّلنا
لمّا بنَعيكَ ناعي الموت لوَّعَنا،
يا أنتَ يا أيّها الغالي، وسهدَنا
فراقُ مَنْ بنقاءِ الرّوحِ طوّقَنا...
ولن أقولَ لقلبي: لم يعُدْ معَنا،
لكنْ أقولُ: لعلّ الله يجمعُنا!