« دغدغة المشاعر و» الهياط المبستر
ليتني أرشف رائحة عينيك، لأغتسل وأغسلها أمنياتي وجراحاتي، وكنه غربة الذات، والطريق شاسعة خطواته. إن القيمة تظل قيمة في ابتعادها عن كيفية تناولها من قبل الآخرين إيجابيًا كان أو سلبيًا، هنا ندخل دهاليز قيمة « المدح »، كقيمة لها أثرها التحفيزي للآخر من جهة، ومن جهة أخرى لغة تمثل التقدير لما يقدمه الآخر، عطفًا على أدبيات التعامل وثقافة التواصل معه.
يقول رالف إمرسون : إن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب. وعليه فإن « المدح »، بشقيه الممدوح والمذموم له انعكاساته في مرآة المجتمع، بحيث أن الممدوح سيمنح المجتمع تحفيزًا وأخلاق علاقات اجتماعية، وإن المذموم سيزج بالمجتمع في وحل تمييع المبادئ والقيم والأخلاق. إنه لمن الضرورة بمكان أن يأخذ جانب الدقة في استخدام « المدح »، ليكن في مكانه المناسب ليظلل من لظى الشمس، ويبعث قطرات المطر من غيمات سماء زرقاء. إن « المدح »، الذي يفقد المجتمع مكتسباته الثقافية والمعرفية، نتيجة التمييع الذي يجهض التحفيز والتقدير بالضرورة - غير محبذ نوعيًا -.
يقول « وليم بوليثو »: « ليس أهم شيء في الحياة أن تستثمر مكاسبك، فإن أي أبله يسعه أن يفعل ذلك. ولكن الشيء المهم حقّاً في الحياة، هو أن تحول خسائرك إلى مكاسب، فهذا أمر يتطلب ذكاء وحذقاً، وفيه يكمن الفارق بين رجل كيس ورجل تافه ». إن الجهل المركب في تعاملاتنا بألوانها المختلفة ثقافيًا ومعرفيًا واجتماعيًا من خلال تفعيل « المدح »، المذموم لرغبة هنا أو أمنية هناك، سيجعلنا مجتمعًا « هشًا ». لنسترق البصر في ظاهرتين، ليتضح المقصود، في الضفة الثقافية والأدبية، حين التجول في الردهات الإلكتروني منها أو الورقي، تبصر مما لا يفتح مجالاً من الشك - تدرعم -، المدح للمنتج سواء كان قيمًا أم ترفًا ثقافيًا، أدبيًا، لتكون اللغة النقدية تصارع ذاتها، لتنحدر ناحية الغياب - أسفًا -.
إنه لمن الخطأ الفادح استشراء حالة « المدح »، لاسترضاء الآخرين، بعيدًا كل البعد عن المنجز، حيث أن هذه الحالة ستكون مستقبلاً سببًا في تردي ذائقة المتلقي وقلة نوعية ما يقدم له. حقيقة ينبغي تفعيل نظرية « تحليل محتوى »، التي تعنى بثقافة قراءة النص، ومن المؤكد أن هذه القراءات التأملية والانطباعية والنقدية، هي التي تثري الساحة الأدبية والثقافية. وعليه فإن البعض من الكتاب أو الشعراء قد يكون لديه توجس من النقد أو القراءة الأدبية، الثقافية - القراءة التحليلية -، وهذا توجس ينم عن شح ثقافي. إن النقد يعتبر نص أدبي يضاف للنص الأصلي. النقد ينغرس بمجدافيه في النص، يكتشف جمالياته، وكثير ما نبصر ونسمع أن النقد قد يكون أجمل من النص ذاته. إذًا هو يمثل إضافة لا تطفلاً لا داعي منه، إنما ضرورة ملحة للرقي. وعليه فإن النص الشعري أو بالأحرى الأدبي والثقافي، حين يبصره القارئ ويشعر ذات القارئ به، ليكون النص كجزء من الكل والكل من الجزء، فإنه كما يقول الفلاسفة: إطلاق الجزء وإرادة الكل. وإمكانية النص في أن يتحول من الجزئية في ذات الكاتب إلى الكلية بنسبة وقدرها في ذاتية القارئ.
يقول الكاتب محمد الحميدي: إن الإنسان متصل بالمجتمع؛ بسبب كونه فردًا من أفراده، ينتمي إليه، يتلقى فيه تعاليمه الأولى، عاداته، مكتسباته الثقافية، المعرفية. للفرد علاقات أوثق بالمجتمع، لا يكفي مجرد الانتماء، لابد من الدخول في عملية تفاعل، إن التفاعل يتخذ شكلين، هما: التفاعل الإيجابي؛ حيث يعمل على المحافظة على مكتسباته الثقافية، المعرفية، تطويرها إن أمكن، والتفاعل السلبي: حيث يعمل على هدم المكتسبات الثقافية، المعرفية، محاولة إيجاد البديل. إن المحافظة على هذه المكتسبات الثقافية وتطويرها، يتطلب المحافظة على القيم وعدم تمييعها، سعيًا وراء دغدغة الذات - بهرجة اجتماعية تستدعيها « الأنا » -. إن البهرجة الثقافية والأدبية والاجتماعية، بلاء ابتلي به المجتمع، لهذا الصحوة تبدو مخنوقة العينين. إن قنوات التواصل الاجتماعي جعلتنا نعشق النرجسية ودلدغة المشاعر والأحاسيس. يقول المثل الصيني: « الذي يسأل يبدو أحمقا لخمس دقائق، الذي لا يسأل يظل أحمقًا طوال عمره »، لا تخجل من الأسئلة، فهي مفتاح المعرفة. إذًا تفعيل الحالة النقدية، ومن مصاديقها التساؤل - السؤال -.
إن الظاهرة الأخرى اجتماعية، تفرزها وتنتجها قنوات التواصل الاجتماعي، مدحًا بشقيه، لنسلط الضوء على الشق السلبي منه، وهو المدح المذموم.
إن القيمة تكمن في المحتوى لا في عدسة الموبايل، حيث ازدحامها بظاهرة « المدح »، بسبب وبدون سبب، امتلاء فراغ - إن صح التعبير -، في حين أنها تؤطر وتنظر لحالة ثقافية تعاملية في المجتمع، قد تكون سلبية - عطفًا على الآثار الآنفة الذكر -. يقال: إن المظاهر خداعة، نعم للذي لم يقرأ المحتوى بشكل جيد، هي خداعة، في حين إن المظاهر صادقة، لأنها تجعلك تفعل من التفكير بجدية، لتصل بالنهاية إلى النتيجة. إن طال الزمان أو قصر، وإن اتسع الأفق أو كان ضيقًا، تأكد بأن الكثير من البشر كل ما يدفعهم إليك ناتج عن مصالحهم، سواء كنت ذكيًا أم « أهبلا »ً، أو لديك شهرة أم كنت متوسدًا ظلمة حجرتك بلا شهرة، أو كنت من الذين يخدمون مجتمعهم أم منزويًا - ولا على بالك أن تخدم أحد -، أو كنت أو لم تكون، المدح ربما يأتيك ذات غفلة من الوقت.
إن « جحا » وعلاقته بالمواقف الطريفة، لها دلالة في ما تدل - بحسب حدسنا -، بأنه فقد الأمل بنسبة وقدرها في مجتمعه. إن بيئته الاجتماعية مزدحمة « بالمدح - الهياط المبستر - »، لربما - هكذا يخبرني حدسي «، لهذا فضل أن يصيغ مواقف - وبسترتها -، بكيفية معينة في عملية تفريغ ذاتي وعقلي - كأنه سبق فيتاغورس بنظرية الإزاحة -. إليك » جحا « لو ندرك كنه حكاياتك ومواقفك - الكوميدية -، لكانت لنا قدرة كبيرة متسعة الأفق بتحمل » المدح - الهياط المبستر «. وعليه لقد استفدنا منك » جحا " بأن نكون المتلقي، الذي يستقبل المنغصات بروح مرحة فكاهية.
همسة: لا تجعل من رواد المصالح أن يوجعوا قلبك، كن « للتطنيش »، سيدًا وقورًا، هادئ الوجنتبن.