هل حقوق الإنسان حرية؟

الحق، لغة هو الشيء الثابت بلا شك، أو هو النصيب الواجب سواء للفرد أم للجماعة، كما يعرّف الحق عند بعض اللغويين بأنه الملك والمال، أو الأمر الموجود الثابت، وفي المعاجم القانونية المتخصصة، يعرّف الحق، على وجه العموم - بأنه ما قام على العدالة والإنصاف وسائر أحكام القانون. وفي الشريعة الإسلامية، فإن لفظ الحق يشير كونه أسماً من أسماء الله عز وجل فهو وصف لدينه ولكتابه قال تعالى «يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم» وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه هو الذي يتولى أمر الحق هداية ونصرا، قال تعالى «قل الله يهدي للحق»، وقد وردت كلمة الحق في القرآن الكريم في نحو 250 آية من آيات القرآن الكريم، وبمعان مختلفة، وفي أغلبها كانت واضحة بالتركيز على حقوق الإنسان المعاصرة، حسب ما يذكره قوله تعالى «وفي أموالهم حق للسائل والمحروم» ”الذاريات - 19“ «فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل» ”الروم - 38“ وغيرها من الآيات التي تؤكد على أهمية حقوق الإنسان وضرورة الالتزام بها.

وتعريف حقوق الإنسان تم تداوله من قبل الكثير من الكتاب والباحثين، وهناك عدة مدارس مختلفة تنسب لها حقوق الإنسان، إلا أن المدرستين اللتين لا زالت تحظى بالأهمية وهي السائدة، المدرسة الأوروبية لحقوق الإنسان والمدرسة الثانية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية والتي ترفض الخلط بين حقوق الإنسان والحريات العامة.

فالمدرسة الأوروبية لحقوق الإنسان ترى أن حقوق الإنسان ليست إلا اصطلاحا جديدا يغطي ما عرف حتى الآن باسم الحقوق والحريات العامة.

هذه المدرسة نشأت في أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ومازال الكثير من المفكرين وفقهاء القانون الدستوري المعاصرين في الفقه الأوروبي ينتمون لها. وقد أنبثق عن هذه المدرسة الفكر الأميركي المعاصر لحقوق الإنسان. وقد عرّفت هذه المدرسة حقوق الإنسان بأنها حريات عامة للمجتمع وإمكانات متاحة للجميع على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لذلك فإن فقهاء هذه المدرسة يؤكدون على أن حقوق الإنسان ترتبط بفكرة الحرية. أما المدرسة الثانية التي ترفض الخلط بين حقوق الإنسان والحريات العامة فهي تنبثق من فكرة الحق الذي يعتبر أوسع من الحرية، بل أنه يتضمن الحرية، فهناك حقوق لا يمكن أنها تشكل حرية «الحق في التأمين الاجتماعي، والتعليم والعمل، الكرامة.. وغيرها» فالحرية لا بد وأن تكون ضمن ضوابط وقوانين لا أن تتعدى على حقوق الآخرين تحت مسميات مختلفة باسم الحرية الفردية وتفرض إجباريا على المجتمع، كما هو الحال في أوروبا وأميركا، عندما أقرّت هذه الدول قانون الشذوذ بكل أشكاله في دساتيرهم.

فمفهوم الحق في هذه المدرسة يختلف تماماً عما هو متعارف عليه لدى أنصار المدرسة الأوروبية والمدارس الوضعية، التي لا زالت تعيش الفوضى ولم تستقر على تعريف جامع لحقوق الإنسان، بخلاف المدرسة الأخرى التي تعتقد بأن الحق مصلحة يحميها القانون.

ولذلك فهناك حقوق يقررها القانون للأفراد بدون مطلب الحرية وتعدّ هذه الحقوق من حقوق الإنسان.