ثقافتنا في ظل ثورة الإنفوميديا
أصبح مفهوم الثقافة اليوم من الرواج وسعة الاستعمال إلى الحد الذي أصبحت فيه مفردة وكلمة «الثقافة» مرادفة للكثير من العناوين، والمشاريع، والقضايا، والنظريات، والطروحات، والكتب، والكتابات، والمقالات، واللقاءات، والندوات، والمناظرات، التي تدَّعي الغوص في عمق معضلاتنا، وتبحث في إشكاليات واقعنا المعاصر ومستجداته وتطوراته، كما البحث في المعوقات التي تحول دون عملية تقدم المجتمعات وتطوها، ومن ثم تقديم أو اقتراح البدائل من الرؤى والتصورات التي يعتقد أصحابها ومطلقوها بأنها تضيف حجراً في البناء الفكري، وتساهم في فتح آفاق الرؤية لعملية التغيير، وتُعبِّد الطريق وتفسحه أمام عملية إصلاح مجتمعاتنا وأوضاعنا، وتغيير الواقع المعاش وتجاوز مشكلاته.
وهذه المقاربة لا تخرج عن هذا السياق من حيث استخدامها لمفردة «الثقافة»، أو ما يماثلها من مفردات، كأداة تتوسل درس وتحليل الظواهر والإشكاليات والمظاهر التي تطفو وتبرز فوق السطح، وتشكل مصدر إرباك في أوساط مجتمعاتنا. فمجتمعاتنا لن تخرج من حالة الارتباك والمراوحة وضبابية الرؤية التي تعيشها إلا من خلال رؤية أو مشروع ثقافي واضح المعالم يعيد صياغة الوعي، ويرتقي بمستوى التفكير الإنساني، ويكون بمثابة خريطة طريق لإصلاح ثقافي ناجز، يخرجها من حالة الغياب والتيه التي تعيشه وتتخبط في متاهاته.
ولئن كان للثقافة معاني ودلالات عديدة، إلا أن الدلالة التي نعنيها في هذه المقاربة، ينصرف نحو كل ماله علاقة باكتساب المعارف وتنميتها من جانب، والتأدب في معناه السلوكي والأخلاقي من جانب آخر. فالثقافة لها دور وتأثير مباشر، وغير مباشر، في الارتقاء بالإنسان وفكره، وتهذيب روحه وأخلاقه.
والحديث عن واقع الثقافة ومستقبلها في مجتمعاتنا، يأتي في ظل ما يمر به العالم من تطور تقني مذهل وكبير، يتسبب في حدوث تبدلات وتغيرات وتحولات سريعة الإيقاع. فنحن اليوم نعيش زمن الثورة التكنولوجية والإعلامية والمعلوماتية، وتطور وسائل الاتصال والتواصل بين البشر، حيث ارتفع مؤشر استخدام وسائط تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الحديثة بشكل واسع، سواء على مستوى الدول ومؤسساتها، أو في الحياة اليومية للأفراد.
والسؤال الذي ندعو إلى التفكير فيه هو: ما أثر وتأثير ما يدعى بثورة الإنفوميديا «الإعلام والمعلوماتية» على معارف الفرد ووعيه وثقافته من جانب، وعلى سلوكه وأخلاقه وطباعه من جانب آخر؟ وكيف نقيم واقع مجتمعاتنا اليوم في ظل هذه الثورة؟ وما هو المستقبل الذي ينتظرها في قابل الأيام والسنين؟
لقد أضحت وسائل التقنية الحديثة، من دون أدنى شك، تلعب اليوم دوراً أساسياً في تشكيل وعي الفرد وثقافته في مجتمعاتنا. فالطوفان الإعلامي والمعلوماتي الحالي له تأثيره البالغ في هيكلة ثقافة الفرد، فهو رافد من روافد ثقافتنا، وبه تتشكل عقولنا وعقول أبنائنا، ومن خلال ذلك، يتم قولبة أخلاقنا وقيمنا، التي ينبع منها سلوكنا وتصرفاتنا. فالبرامج الثقافية الرصينة، والندوات والمحاضرات الهادفة، مثلها مثل الأفلام والأغاني الهابطة، والتغريدات السطحية، والرسائل النصية المتواضعة، والإشاعات التي ينقلها الهاتف النقال بالصوت والصورة والنص، كلها يمكن أن تؤثر، سلباً أو إيجاباً، في وعي الفرد، وتساهم في تشكيل ثقافته، وسلوكه وطباعه.
إن قضية التحديث واستيراد مظاهر الحداثة والانكباب الشره على اغتناء وشراء أحدث منتجات الحضارة الحديثة هي من بين القضايا المهمة التي تتناولها هذه المقاربة، والتي سوف تمتد إلى عدد من الحلقات، إذ أن هذه القضايا سوف تظل في قمة أولويات هذه المجتمعات لفترة زمنية طويلة قادمة، حيث ينبغي النظر في القضية وتناولها بالبحث والدراسة والتقييم، وتقديم الحلول للمشكلات، أو للتبعات الناتجة عنها.