اليوم الأسود
أيها الإخوة والأخوات.. أبنائي وبناتي...
لقد تعودتم مني على الصراحة، ولذلك بادرتكم بالقول بأننا نمر بمرحلة صعبة، ضمن ما يمر به العالم كله، وأقول لكم أيضاً، إن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة على المستوى العالمي لمواجهة هذا الانتشار السريع لهذه الجائحة.
بهذه الأسطر والكلمات وضع الملك سلمان بن عبدالعزيز النقاط على الحروف في خطابه المتلفز مساء الخميس 19 مارس 2020 م، وشخص المرحلة التي تمر على البلاد وستمر بها بالأيام المقبلة، فماذا يعني ذلك؟
يعني إن هذه الجائحة والأزمة ليست مجرد أزمة صحية عالمية فحسب، بل أيضاً أزمة سوق عمل وأزمة اقتصادية كبرى لها أثرها الهائل على البشر والدول واقتصادتها "
وقد أشارت منظمة العمل الدولية في تقريرها ودراستها نشرته في 18 مارس 2020 م، إن الأزمة الاقتصادية وأزمة الوظائف التي أحدثها انتشار وباء كورونا COVID - 19 يمكن أن تؤدي إلى زيادة أعداد العاطلين عن العمل في العالم بنحو 25 مليون وظيفة «شخص» معرضة للضياع، وحجم الخسائر الاقتصادية 3,4 تريليون دولار مع نهاية عام 2020، وسيترجم هذا إلى انخفاض في استهلاك السلع والخدمات، وهذا بدوره يؤثر على آفاق قطاع الأعمال وعلى الاقتصادات، وفقاً لتقييم وتقدير جديد أجرته منظمة العمل الدولية.
كما أشار التقييم الأولي للدراسة لتأثير مرض COVID - 19 على عالم العمل في العالم إلى أن آثاره ستكون بعيدة المدى، وستدفع الملايين من الناس إلى البطالة والعمالة الناقصة وفقر العاملين بين 8,8 مليون و35 مليون شخص إضافي من العاملين في العالم سيعيشون في فقر، مقارنة بالتقدير الأصلي لعام 2020 «وهو 14 مليوناً في جميع أنحاء العالم»، وتقترح المنظمة تدابير من أجل مواجهة حاسمة، على الصعيد السياسات الدولية ومنها اتخاذ تدابير عاجلة وواسعة النطاق ومنسقة وفورية في ثلاثة محاور: حماية العمال في مكان العمل، وتحفيز الاقتصاد والتوظيف، ودعم الوظائف والدخل لمواجهة وإدارة هذه الأزمة.
وعلى مستوى العالم العربي فمن المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بما لا يقلّ عن 42 مليار دولار، وهذا الرقم مرشح للارتفاع نتيجةً للآثار المضاعفة لانخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الكبير الناجم من إغلاق مؤسسات القطاع العام والخاص منذ منتصف الشهر الجاري وكلّما طالت فترة الإغلاق التام، ازدادت الكلفة المترتبة على اقتصادات المنطقة.
ومن المرجّح أن تخسر المنطقة أكثر من 1,7 مليون وظيفة في عام 2020، مع ارتفاع معدل البطالة بمقدار 1,2 نقطة مئوية، هذا وتكبّدت الشركات في المنطقة في الفترة نفسها خسائر فادحة في رأس المال السوقي، بلغت قيمتها 420 مليار دولار، أي ما يعادل نسبة 8 في المئة من إجمالي رأسمالها السوقي، حسب تقييم اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا «الأسكوا» التابعة للأمم المتحدة.
وبناءا ً على هذه المعطيات والأرقام نجد أن الحكومة السعودية أتخذت عددا من التدابير على صعيد الدولة والإقتصاد والمبادرات العاجلة صرح عنها وزير المالية في 20 مارس 2020 بشكل مفصل، بقيمة تتجاوز 120 مليار ريال لتخفيف الأثر المالي والاقتصادي على الأنشطة الاقتصادية والقطاع الخاص خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة الأكثر تضررا ً من هذا الوباء لمواجهة آثاره وتبعاته.
ولكن ماذا على المستوى الفردي للفرد هل يظل يتفرج على ما يحدث، أم أن عليه إتخاذ التدابير اللازمة المستقبلية لإدارة هذه الأزمة ومواجهتها، تجنبا لليوم الأسود المنتظر لا سمح الله بذلك.
عليه نجد أن القرآن الكريم قد وضع سياسة ونظم إقتصادية عامة بدون الخوض في التفاصيل منها ما يعرف اليوم «بسياسة الإدخار وإستثمار جزء من المال» «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا» الفرقان - آية «67»
ويعني ذلك الإبتعاد عن المصروفات الكمالية والغير ضرورية وتوفير قسط «جزء» من المصروف الكلي للأيام العجاف واليوم الأسود، سواءا عن طريق حفظها «جمعها» أو تنميتها بتشغليها «الإستثمار».
وكذلك نجد أمير المؤمنين علي وهو القرآن الناطق قد تطرق لهذا الجانب وصرح في أكثر من موضع حيث قال:
«إدخر قرشك الأبيض ليومك الأسود / ما عال من اقتصد، العقل أن تقصد فلا تسرف / من أقتصد خفت عليه المؤن / لن يهلك من أقتصد / خذ القصد في الأمور فمن قصد خفت عليه المؤن/ عليكم القصد في المطاعم / من أراد السلامة فعليه بالقصد / لا هلاك مع إقتصاد / الإقتصاد ينمي القليل / الإقتصاد نصف المؤنة / إذا أراد الله بعبدا ً خيرا ً ألهمه الإقتصاد/ من لم يحسن الإقتصاد أهلكه الإسراف/ إذا رغبت في صلاح نفسك فعليك بالإقتصاد والقنوع والتقلل» - نهج البلاغة وغرر الحكم.
وللمزيد حول كيفية تجنب اليوم الأسود بإمكان القارئ مراجعة الكتب الإقتصادية التخصصية حول إدارة الإزمات.