مكالمة من مجهول!
في يوم من الأيام ومع بداية الحجر الطبي، تلقيت مكالمة من رقم مجهول عرفني عن نفسه وبدأ بإخباري عن سبب الاتصال. شاب في مقتبل العمل، متزوج من فتاة أصغر منه وله منها طفلان، اكتشف مؤخراً أن زوجته مصابة بسرطان الثدي وفي مراحله الأخيرة بالرغم من عدم وجود ميل وراثي أو تاريخ عائلي لديها. كانت مشكلته تتمحور حول توقف علاج زوجته الإشعاعي الذي كانت تتلقاه بمستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض وذلك بسبب الحجر الطبي على محافظة القطيف وتخوفه من فقدانها، حيث كانت حالتها حرجة جداً. لقد وفرت الدولة الكثير لسد حاجات المواطنين في ذلك الوقت لكن كان من الصعب تجهيز وإعداد مركز أو عيادة تخصصية لتقديم مختلف أنواع العلاجات لمرضى السرطان بالتحديد، كما توقفت أيضاً الكثير من الإجراءات الطبية التي تستدعي تدخلا جراحيا مثل عمليات زرع الأعضاء كالكلى وغيرها.
وجود مدينة طبية في كل منطقة إدارية حيث يستطيع المواطنون تلقي العلاج في مناطقهم سيوفر عليهم مشقة السفر ويخفف عن كاهلهم مصاريف السكن. ربما يعتقد البعض أن هذه مجرد أحلام، لكن هذه الأحلام تحققت في بعض المناطق كالعاصمة الرياض ومدينة جدة. أيضاً هناك خطط لبناء عدد من المدن الطبية في مختلف مناطق المملكة إضافة للمدن الموجودة، وكم كان رائعاً لو تم العمل على إنشائها سريعاً لتكون جاهزة للعمل، خصوصاً ونحن في مواجهة أزمة مثل الأزمة الحالية.
نحتاج لبناء مدينة طبية في كل منطقة إدارية في المملكة وبسعة سريرية وخدمات طبية تكفي حاجة المنطقة في أوقات الأزمات أو غيرها تكون متوافقة والمعايير العالمية، تقدم رعاية طبية متميزة للمواطنين وتحوي عدة مستشفيات متخصصة كمستشفى لأمراض النساء والولادة، الأطفال، العيون، الأسنان، الأورام، السرطانات والعلاج بالإشعاع، الجراحة والعمليات المعقدة، زراعة الأعضاء، ومركز طوارئ متطور يحوي أحدث تقنيات طب الطوارئ وسيارات إسعاف مجهزة بأحدث الأجهزة الإسعافية ومستعدة على مدار الساعة. أيضاً وجود حي سكني وفندق في المدينة الطبية سيساعد على الاستثمار واجتذاب السياح من خارج المملكة للعلاج وإنعاش السياحة الطبية مما يدعم فكرة تنوع مصادر الدخل.
وحيث يحتل الاهتمام بالتعليم المركز الأول لأنه أساس تطور وتقدم الأمم وقد استثمر الوطن في مواطنيه وأرسل الكثيرين لدراسة مختلف التخصصات الطبية، يأتي الاهتمام بالصحة في المركز الثاني في الأهمية لأنه إذا فقد الإنسان صحته، فقد القدرة على العمل والإنتاج وتحول لطاقة مهدرة للوطن.
ومن أهم الدروس التي تعلمناها وقت الأزمة بالتحديد حاجتنا لنظام رقمي وتقني متطور يوفر أنماط رعاية طبية تستند في معاييرها على الجودة، الدقة والسرعة. ويعتبر سجل المريض الطبي هو الوثيقة الأساسية للطبيب التي تمكنه من تقديم خدمة طبية متميزة وتلافي تأخير العلاج المناسب أو حصول الأخطاء الطبية بسبب عدم كفاية البيانات مما قد يودي بحياة المريض. ومن هنا تبرز أهمية تبني فكرة البطاقة الطبية الذكية التي بواسطتها يستطيع أي مقدم خدمة طبية في المملكة الحصول في ثوان على التاريخ الطبي الكامل للمريض وتقديم العلاج اللازم خصوصاً في حالات الطوارئ أو عندما يكون المريض فاقداً الوعي.
يبقى التأكيد على ضرورة تطوير البنية التحتية الرقمية، إلزام مقدمي الخدمات الطبية على استخدام التقنيات الرقمية وتدريب وتأهيل العاملين في القطاع الصحي على مهارات استخدام تكنولوجيا المعلومات.