مدراء الدقائق
في أحد الأيام طلب مني أحد المديرين الكثر الذين عملت معهم بدء مهمة عمل بشكل عاجل على النظام البرمجي الخاص بالشركة، وعلى الرغم من أن طبيعة عملي مكتبية إلا أن بعض المهام تأخذ الكثير من الوقت، خصوصاً إذا ارتبط إنجازها بالحاجة لمعلومات من أطراف أخرى، حيث تستهلك مراسلتهم وانتظار الرد، مع الأخذ بالاعتبار انشغالهم وإمكانية حاجتهم لسؤال أطراف أخرى عن المعلومات أيضاً، الكثير من الوقت.
وبعد كل العناء الذي تكبدته والوقت الطويل الذي استهلكته للحصول على جميع متطلبات المهمة، والتأكد من صحة جميع المعلومات ثم إنشائها على النظام والتأكد من إرفاق جميع الوثائق والمستندات الخاصة بها ثم إرسالها لصندوق بريد مديري للموافقة وتركي للكثير من المهام الأخرى على اعتبار أنها مهمة عاجلة، أتفاجأ برفضه لها في نفس الثانية.
اتصلت به مستفسرة عن سبب الرفض وكنت مستعدة نفسياً لإجابة أنه ضغط على زر الرفض بالخطأً وسيطلب مني إنشاءها وإرسالها مرة أخرى لأتفاجأ به يخبرني أنه لم يعرض الموضوع على الإدارة العليا أصلاً ولم يستلم الموافقة بعد. وعندما أبديت امتعاضي من عدم احترافيته وتضييعه لوقتي ومجهودي للقيام بمهمة لم يحصل على الموافقة عليها بعد استنكر ذلك وبدا مستغرباً وهو يقول: «أليست هي مجرد ضغطة زر؟!».
يعتقد الكثير من المديرين أنهم يملكون السيطرة على الوقت والتحكم فيه وتحديد المهلة اللازمة لإنجاز مهمة عمل بدقة متناهية، ويتوهمون أن ذلك بسبب حسن إدارتهم للوقت وأن موظفيهم مستهترون ولا يجيدون إدارة وقتهم بينما يشعر الموظف المسكين المغلوب على أمره عكس ذلك ولذلك يستهين الكثير من المديرين بوقت وجهود موظفيهم. في الحقيقة، هؤلاء المديرون على صواب بعض الشيء فهم قادرون باستخدام السلطة الممنوحة لهم على تحديد وقت الاجتماع ومدته وإطالة المدة أو تقليصها أو تحديد الوقت اللازم لإنجاز مهمة معينة، ولسوء الحظ يستخدم بعضهم هذه السلطة بشكل تعسفي فيحدد وقتا زميا قصيرا جداً لإتمام مهمة صعبة جداً. تنحصر مشاكل بعض الموظفين في تركيز مديريهم على إتمام المهمة بدقة دون الأخذ في الاعتبار الخطوات والإجراءات الطويلة اللازمة لإنجاز تلك المهمة.
أيضاً يثني الكثير من المديرين الذين أطلق عليهم مسمى «مديرو الدقائق» على الموظفين الذين يصلون للمكتب قبل بداية الدوام ويخرجون بعد انتهاء الدوام الرسمي بساعات أو على التصاق بعضهم بالكرسي طول فترة الدوام أو استغلالهم لوقت الغداء الرسمي للعمل أو لعقد الاجتماعات. على الرغم من أهمية العمل لكسب العيش إلا أنه من غير المعقول أن يفني الموظف وقته وحياته في العمل فقط وكأنه آلة ليس لديه حياة اجتماعية ليعيشها أو أهل وأصدقاء ليقضي بعض الوقت معهم أو هوايات ليمارسها.
إذا تأملنا قليلاً في ذلك فسنجد أن بقاء الموظف دائماً لفترات تتعدى ساعات العمل يكون ناتجا إما عن قلة كفاءة الموظف لتأدية عمله في الوقت المناسب أو أن كمية العمل المسندة إليه هي أكبر مما يستطيع القيام به وتحمله، وكل حالة من تلك الحالتين أسوأ من الأخرى. فإذا كان الموظف قليل الكفاءة إذاً هو لا يستحق الثناء لمجرد أنه يقضي أغلب يومه في المكتب، وإذا كان مغمورا بمهام هي أكثر من طاقته فذلك سوء إدارة. ولنا أن نتخيل إذا كانت ترقية أو تقييم هؤلاء الموظفين بيد تلك النوعية من العقول التي ترى عدد الدقائق التي يقضيها الموظف في المكتب هي أهم من إنتاجه الفعلي!