من الكاتب الذي يُريده القارئ؟
أعرف جيداً أن هذا السؤال/العنوان المعقّد والشائك، لا يمكن الإجابة عنه في مقال محدود كهذا، ولكنني سأحاول قدر المستطاع أن أفكر بصوت عالٍ برفقة هذا القارئ الذي يبحث عن ذلك الكاتب المتخيّل في فكره ومزاجه.
لقد مرّت أشكال وفنون الثقافة والأدب بالكثير من المتغيرات والتحوّلات خلال العقود والقرون الماضية، وهو أمر طبيعي وضروري، يأتي ضمن سياق التجدد والتحرر، فالجمود والثبات يُصيبان كل شيء في مقتل، خاصة حينما يتعلّق الأمر بالثقافة والأدب، والكتابة بمختلف أشكالها ومستوياتها لم تكن بمنأى عن كل ذلك التغيّر والتحوّل. كتابة القصيدة والرواية والمسرحية والمقال والنص وكل الأشكال الإبداعية والتي يمكن إجمالها في ”كتابة المحتوى“ وهو المصطلح الحديث الذي أصبح يُستخدم ويُعنون بكثافة وتكرار في مشهدنا المعاصر. فالكتابة/المحتوى في هذا العصر المثير، أكثر شبهاً وقرباً من طبيعة الحياة وشكل الواقع، دون الدخل طبعاً في الجدلية والإشكالية المحتدمة بين الكتابة الحديثة والكتابة التقليدية.
الكتابة، لاسيما الإبداعية والحقيقية، واحدة من أصعب المهن والاشتغالات الإنسانية على الإطلاق، وقد وصفها الشاعر السوري عادل محمود بمقولة مثيرة وشهيرة: ”الكتابة أصعب مهمة في التاريخ باستثناء صيد التماسيح“، كذلك هناك وصف عميق للكتابة للروائي الكولومبي الشهير جابرييل جارسيا ماركيز صاحب رواية ”مائة عام من العزلة“ والحاصل على جائزة نوبل للآداب لعام 1982: ”الكتابة مهنة انتحارية، إذ لا مهنة غيرها تتطلب قدراً كبيراً من الوقت، وقدراً كبيراً من العمل، وقدراً كبيراً من التفاني مقارنة بفوائدها الآنية“.
الآن، وبعد كل هذه الكتابة/المقدمة حول مهنة الكتابة، حان الوقت للإجابة على ذلك السؤال/العنوان أعلاه: من الكاتب الذي يُريده القارئ؟ وهنا لابد من الإشارة إلى أن القرّاء ليسوا سواسية أو متشابهين في الفكر والمزاج، وكذلك في الرؤية والوعي. والقارئ عادة، يُريد من الكاتب أن يواجه المستحيلات ويُقارب التابوهات، تماماً كما يُريده أن يكتب عن أحلامه وتحدياته، وعن رغباته وأمنياته، القارئ باختصار يُريد كاتباً يكون صدى لفكره ومزاجه.
هناك من يظن، وهنا الكثير من الظن إثم، بأن قدر الكاتب هو أن يحمل روحه على كف نصوصه، وأن وظيفة الكاتب أن يكون كبش فداء لرغبات القرّاء.