ترنيمةُ وَجْد
تَلفََّتُّ لا ألوي على الحزمِ مَذْرَعا
وجاريتُ دهراً بالمُلِمَّاتِ مُترعا
ونازعتُ قلباً خالياً ليت حَزمه
أَشُقُّ به أرضاً أو البحر مُشرعا
كَفعل بعيد الهَم يرنو بِطَرفِهِ
إليه فينقادُ المُنى حيثُ طُوِّعَا
يَقُولُ فَتصطَفُّ المعاني بليغةً
وتَنْصَبُّ أقدارُ القضا حَيثُ أزمَعَا
وإِنَّ الفتى إن صَحَّ لِلُّبِّ مَنطِقٌ
صَديرٌ لوجدان الجوى ما تشرعا
وثغرٌ يَبُثُّ الرُوحَ تَخلِيصُ مُصطَلٍ
وكفٌ تطولُ النَّصل شَداً لِتَنْزَعَا
يُرَتِّل تَرنيمَ الوُجُودِ وَقَلبُهُ
دواةٌ بِكفِّ الرُّوح تَشدُو لِيطبَعا
يُحاذِي شِعافَ الرُّوح مَا بُلَّ رِيقَهُ
وما حَادَ عن صِدقِ الجَوى لَو تَصَنَّعَا
يُجرَّعُ كأسَ الشَّوق مَوتاً كَأَنَّهُ
يُصَالِي عَلَى جَنبَيهِ ما عَاشَ مَصرَعا
سُلُواً عَن الغَايَات نَقتَاتُ عُمرَنا
مَعَاشاً وَنَرجُو العُمر لَو أَن تَجَمَّعا
وَلكِن هِناتُ العُمر أَن لَيسَ يَرعَوي
فُوَاتاً ولا يُغنِيكَ إِن كَانَ مُمْرِعَا
كِلِينِي لِغَيرِ الأُنسِ إِن طَابَ خَاطِرِي
وَجُنِّي عَلَي الليل ليلاً لِأَسجَعَا
وَصُبِّي عَلَيًَ السُحبَ بَرداً لعلني
أُمانِعُ هَذا القَلب أَن يَتَمَزَّعَا
فَقَد أَفلَتَ المَقدُورُ مِن كَفِّ أَهلِهِ
وَشَمَّرَ أَربَابُ المُنَى حَيثُ أَوضَعَا
فَلا تَرصُدِي الأَغلال إِنِّي على هُدىً
وَحَسبُكِ مِن جِد الفَتى أَن تَقَنَّعا
لَعمرِي قَد أَوليتُ شَئنِي دِرايَةً
وآنستُ وادي الرُّوح حَتى تَولَّعا
فلا تَحسَبِينِي بِينَكُم حَيثُ أَنَّنِي
أُراقِبُ مِيزانَ القَضَا إِن تَضَعضَعَا
وَأُمعِنُ فِي رَصدِ الهِنَاتِ كَأنَّنَي
أَسُدُّ خِلالَ السَّدِ أَن يَتَصَدَّعَا
هَبِيني تَرَكتُ الحَبل يَنسَلُ غَارِباً
فَمَن يَعصِمُ المَوصُول أَن يتَقطَّعا
ومن يأمَنُ الأيام إن كُنتُ غَافِلاً
وَمِن أَينَ يُقتَادُ الهَوى إِن تَمَنَّعا
أُبالِغُ فِيمَا أَرتَجِي عَلَّ بَازِغاً
يُعِينُ الهَوى العُذريَّ أَن يَتَرَبَّعا
دَعِي حُلمَهُ فالطِّفلُ فِيهِ مُقامِرٌ
وَأَثكَلُ أَحلامِ الصِّبَا الغِرِّ أَوجَعا
دَعِي حُلمَهُ يَنبَثُّ فَالكَونُ وَاسِعٌ
غداً تَكشِفُ الأيام مَن كَانَ أَضيَعا
وَحَسبُ الفَتى بِالعَيشِ إِلفٌ لِصاحبٍ
وقلبٌ إِذا مَا شَفَّ ذِكراً تَضَوَّعا
وَدَمعٌ سَلِيلُ المُزن مَا شَفَّ نَازِفٌ
يَحلُّ انعِقَادَ الغَيث إِلا تَذَرَّعَا
وَلِلَّيلِ عِندِي أَلفُ خِلٍ وَصَاحِبٍ
أَبُثُّ الشَّجَى مَالا يُقالُ لِيُسمَعا
وَفِطنَةِ حَيِّ مُتَّقَى العَزم بَاذِلٍ
كريمُ النَّدَى إِن ضَاقَ مَحلٌ تَشَرَّعا
نَفَضتُ يَدِي مِن كُلِّ شَكٍ وَرِيبَةٍ
وَأَشعَلتُ قَلباً بِالنِّهايَاتِ مُولَعا
وأَنزَفتُ دمعاً كان صخراً وَجَلمداً
وقلباً كَساهُ الوَجدُ مِمًّا تَجَرَّعا
قَنَوعاً كَأَنَّ المُلك مَا حَالَ دُونَهُ
سُوى وَرَعٍ عَن مَسِّ رِجسٍ تَرَفَّعا
لَعَمرُكُ مَا الإنسَانُ إلا بِقَلبِهِ
وَمَا القَلبُ إِلا مَا أُفِيض وأُترِعا
أَعينا على أَمرِي خَلِيلَيِّ إِنَّنِي
أُغادِرُ يَوماً قَانِعاً أو مُقَنَّعا
وما المَوتُ إلا نَقضُ عَهدٍ عَهِدتَهُ
وما العَيشُ إلا مَا تَراهُ وَتَسمَعا
فِإن عِشتَ لا رَأيٌ لَدَيكَ تَحُوزُه
ولا وَازِعٌ كَيمَا تَضُرَ وَتَنفَعَا
فَما العَيشُ إلا عِندَها خَطوُ عَاثِرٍ
ولا شَيءَ إِلا أَن تُجَرَّ وتُدفَعَا
كَمُحتَمِلِ الأَسفَارِ مِن غَيرِ أهلها
وَقائِلِ قَولٍ لا بِقَولٍ تَذَرَّعا
فَإِن تَترُكِ المَفروض مِن غَيرِ فَارِضٍ
فَمَن يُمسِكُ المِيزان أَن يَتَوَرَّعا
أَخُو وَارِدٍ مَا حَقَّ قَولٌ وَإِن يَكُن
صُدُورٌ يقول الحق أمضى وأسرعا
وَمَا الدِّينُ إِلَّا صَفوُ قَلبٍ صَقَلتَهُ
كَمَاوِيَّةٍ لَم تُبدِ إِلا تَطَبُّعَا
فَهَوِّن خُطُوبَ العَيش فَالمَرءُ ذَاهِبٌ
وَلَو نَسِيَ المَقسُوم كَانَ لِيَرجِعا
فَهَيِّء كُؤُوسَ اللَّيل وَالنَّجمُ بَازِغٌ
وَبَالغِ فَضَعفُ المَرء أَن يَتَقَنَّعا
وَأَمسِك عَنِ المَعرُوفِ إِن كُنتَ كَارِهاً
فَذُروَةُ بَذلِ الوِسع أَن تَتَطَلَّعَا
وَلَائِم خُطَاكَ الأَرض فَالمَرءُ صَائِرٌ
إِلى حَيثُ لا يَرجُو إلى الظَهرِ مَطلَعا
وَوَدِّع عُمُومَ النَّاسِ فَالدَهرُ غَادِرٌ
وَأَيسَرُ حَظِّ المَرء أَن يَتَوَدَّعا