" رحلتِ عن الدنيا ولكنكِ لم ترحلي عنا"

الحياة " تشجينا أحيانا وتسعدنا أحيانا تزرع على ملامحنا الفرح سرعان ما تجعل مقلنا تذرف دموعاً غزيرة لفقدِ عزيز أو خسارة حبيب لكنها حتما تسير وفق خطط إلهية ليس من غاية لها إلا امتحاننا انصبر عن المصيبة أم نجزع.فإن لم نمت اليوم نموت غداً، وإن لم نجرب الموت فقد تجرعنا مرارته عن طريق موت أحد عزيز علينا.

في هذه الكلمات وهذه الرسالة ،ليس هدفي إثارة أحزان أو أن أقلب ذكرى موجودة في حنايا القلوب وليس في نيتي إثارة الحسرة في قلوب اهلي وأحبائي بهذا المصاب وهذا الحزن .لكن الهدف هو تبيان أن ليس في هذا الوجود إنسان لم يذق ألم الموت و إن لم نجربه. صحيح أن سكرات الموت أكثر ألماً لكن لا نستطيع أن ننكر أن ألم الحزن على ميت مؤلمٌ أيضاً.

لا أعلم كيف سألملم شتات حرفي وألجم غصة قلبي فمنذ أيام حاولت أن أجتّر بقايا كلماتي من براثن الحزن ومرارة الفراق وأكتب لكم حجم فراق ابنة خالتي العزيزة لكن تتبعثر كلماتي واقف كالحائر ولكن الى متى؟ فتجرعت مرارة الحسرة واهتديت الى سرد هذه الكلمات.

"ام علي "تتبعثر كلماتي ويجف قلمي وتبقى الدموع حبيسة في عيوني. لا يجرأ قلمي ان يكتب لك رثاء.والرثاء لا يحلو لك ولا يطيب لي.

 ليت الأقلام تكفي ما بي من حزن وحسرة وألم. ماذا اكتب عنكِ وفيكِ وكيف أرثيك  وبأي مداد أكتب اليكِ. كم هي قاسية ومريرة هذه اللحظات التي أكتب فيها. فخسارتنا جسيمة. ودعناكِ بدموع غزيرة لا تجف وبألسنة تلهج بالدعاء لكِ.

بعد هدوء عاصفة الحزن وألم الفراق وهول المصيبة. هاهو القلم كعادته  يجر خطاه على ورقي  ليترجم نبضي. هنا في قلبي نبض يترجم بأن حزنا في داخلي سيبقى انينه يرافقني إني ذهبت.

آجل"معزوفة تراقصت أوتارها في قلوب محبيك بآلامهم بأوجاعهم ،بأنينهم ببكائهم وحزنهم بصدمتهم برحيلك المفجع.

لقد افتقدناك جسدا. اما روحك الطاهرة فهي باقية معنا ما  بقيت الحياة. عهدناكِ انسانه ،تتجسد في شخصيتها كل المناقب ألنبيلة فلم تحمل في قلبك سوى المحبة والتسامح،والصدق والأمانة ولإخلاص ،طيبة القلب ومحبة الناس بنفس المهموم وسلوته.

 لقد ودعتِ عائلتك واهلك ومحبيك وتركت في كل واحد منهم جرحا نازفا لن يلتئم  لقد حال دوننا الموت وللموت حكم نافذ في خلق الله ولا مفر منه. ولكن الموت داهمكِ وأنتِ في عز شبابك. وأخذكِ من بيننا سريعا وأصبحتِ تحت اطياف الثرى جسدا هامدا. فافتقدناكِ وافتقدنا الابتسامة وبكيناكِ حتى جفت الدموع في المآقي.

ابنة الخالة العزيزة ام علي . أكتب لك هذه الرسالة المهداة إلى روحك الطاهرة بإذن الله تعالى لتهدئ لوعة الفؤاد بعد أن حال بيننا وبينكِ عالم البرزخ ،ولتكون ضربا من ضروب التواصل الحميمي بين العطاء والوفاء .

نسأل الله ان يحسن عزاءنا وان يعظم اجرنا ،وان يجبرنا مصيبتنا فيك ،وان يلهمنا الصبر على فقدك وان يجعلنا من الصابرين الذين قال سبحانه وتعالى فيهم [وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ] صدق الله العلي العظيم.

قبل وفاتك بيوم وسط انينك المقطع للقلوب وأنتي تتألمين  على السرير الأبيض وقلبي مليء بالتفاؤل بشفائك وتعودي بابتسامتك تنثريها بيننا بين أهلك وأحبائك.

كنت’ اتلو الصلوات وأرسلها لكِ بنية الشفاء العاجل .وحينما سمعت رنين جوالي سقطت مسبحتي على الارض مفجوعاً بسماع ألخبر كما انا،كما دمعي ،كما جسدي المرتجف وأنا ذاهب الى المستشفى احدث نفسي أحقاً رحلتي؟أي مرضا هذا الذي تسلل الى جسدك وصار خليلا له حتى حرمنا منك .

ام علي"لقد رحلتِ عن الدنيا ولكنكِ لم ولن ترحلي عنا،رحلتِ وأغلقتِ الستار على فصول معاناتك وعلى تلك الآهات الكاتمة على انفاسك .

اخاطبك  ياابنة الخالة " يانائمة تحت الثرى .هل غطاك التراب ؟هل دفنتِ حقا؟ ودفنت احلام ابنائك واهلك عندما يستأنسون بكلماتك ،هل ضمك التراب الى احدائق الموتى؟وحيث لا تكونين إلا ذكرى.هل صدقا غيبك الموت عنا؟وهل حشرت في تلك الحفرة الضيقة؟ وأصبح بيننا وبينك فراقا لا تتسع له السماء ولا الارض ولا يتقبله كل قلب احبك وكل عين رأتك وكل من عرفك ؟

ام علي"رحلتي فما اجمل هذه الرحلة وأنتِ في شهر الحسين ودفنتني بيوم دفن الحسين حقا "ترجلتِ عن الدنيا بهدوء وفي عينيك الف حلم ،وعلى محياك الف ابتسامة ،وبداخلك يعيش صدق الايمان وحب العترة الطاهرة وأنتي تتناغمين بحلاوة ذكرهم عند احتضارك ،بداخلك كان يعيش الصدق والحب والعزاء لهم .

ابنة الخالة غادرتِ الدنيا الى عالم الفناء  وأغمضت عينيك في يوم انتزع فيه الموت منا اجمل زهرة وفراشة حلقت في سماءنا دوما بعطرها بحنانها ببكائها الحسيني وعشقها له ونقشتِ على ارواحنا اجمل الاماني والذكريات واحلى الكلام.

ام علي"كنتِ تعلمين ان الرحيل قريب وانك ستغادرين الدنيا فرحة بطيب اعمالك ،قانعة بما اقتضاه الله لك راضية بالمصير والنصيب والبلاء كنتِ تعلمين ان رحيلك افجع ما سيمر هنا وانه لن يطرق القلب حزنا على الجميع.

أجزل الله ثوابك يا من ابتليت بهذا البلاء فصبرت وشكرت. فقد رأيناكِ تتحملين الآلام والأوجاع الشديدة بنفسٍ راضية على قضاء الله وقدره ،ولسانٍ شاكرٍ حامدٍ لله سبحانه. ولم نعلم أنه قطرت من عينيك دمعة ،أو صدر منك قول أو فعل يدل على جزعك او سخطك اوعدم رضاكِ بما قدره الله لك من هذا البلاء .

والله نسأل أن يكون ما اصابكِ تطهيراً لكِ من الذنوب وحطاً للخطايا ،ايماناً منا بأنه ما من عبداً مؤمناً يصيبه اذىً من مرض فما سواه ,الآ حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها .تجاوز الله عنك يامن كنتِ قريبة من الناس،حبيبةً للجُلاس ،لطيفةً مع الصغار والكبار حتى احبكِ الجميع واحترموك،فلما سمعوا بنبأ وفاتك بكتكِ الاعين،ودعت لكِ الآلسن ،وترحم عليكِ من عرفك ومن لم يعرفكِ . وفاتكِ كانت في شهر الامام الحسين ودفنك يوم دفن الامام الحسين عليه السلام فهنيئاً لكِ هذه الخاتمة الحسنة.

السلام على روحك وبدنك الطاهر ،فسبحان الذي أحياكِ ثم أماتكِ ثم يجمعكِ الى يوم القيامة أسأل الله أن يرحمكِ ويغفر لكِ وينزل على قبركِ الضياء والنور وان يجعل قبركِ روضة من رياض الجنة.

 اللهم إن هذه أمتك و ابنة عبدك و ابنة أمتك نزلت بك و أنت خير منزول به اللهم إنا لانعلم منها إلا خيراً و أنت أعلم بها منا اللهم إن كانت محسنة فزد في إحسانها و إن كانت مسيئة فتجاوز عنها و اغفر لها اللهم اجعلها عندك في أعلى عليين و أخلف على أهلها في الغابرين و ارحمها برحمتك يا أرحم الراحمين وحشرها مع محمد واله الطاهرين .

ورحم الله من يقراءُ لها الفاتحة ويهدي ثوابها الى موتى المؤمنين والمؤمنات. بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ  اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ  صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ.[ صدق الله العلي العظيم]

 

علي حسن آل ثاني كاتب في الشبكات المواقع والصحف المحلية والخليجية