الإمامة ودعم الثورات:هل كانت الإمامة سلبية تجاه الواقع وحركة التغيير؟!

 

 

 

في الآونة الأخيرة انتشرت تغريدة تقول:

«لا أدري ما الذي يجعل الإمامة تنتقل من زين العابدين بعد وفاته للباقر دون ابنه زيد مع أنّ التاريخ يثبت بأنّ لزيد دوراً أكبر مما كان للباقر الذي كان بارزاً على مستوى العلم، في حين كان زيد قائداً بحقّ، وقد اختلف مع أخيه لكون الباقر لم ير المعارضة للسلطة القائمة، وكان متصالحاً مع الراهن، إضافة لأنّ لمقتل زيد بشاعة لا تقلّ عن بشاعة قتل الحسين بن علي، أظنّ أنّ للسلطات القائمة دوراً في تثبيت إمامة من لا تخشاه في تهديد سلطتها، ومن هنا لابدّ أن نعيد قراءة تاريخ الإمامة التي يثبت التاريخ أنّها لم تسهم حقيقة في تغيير مسار التاريخ، وبأنّ وجودها وعدمها سيان على أرض الواقع«.

وتقول تغريدة أخرى:

«حين قال الصادق قاصداً زيد بن علي: (رحم الله عمي، فلو ظفر لوفى)؛ متناسياً أنّ أباه رفض أن يقود ثورة العلويين، وكأنّني بالصادق يقول ضمنياً: (بأنّ قلوبنا معك، وسيوفنا ليست معك، وليست حتماً عليك). أي اللامبالاة والسلبية تجاه الواقع، ورفض حركة التغيير«.

وفيما يلي نريد أن نقف مع هاتين التغريدتين مجموعة من الوقفات:

1ـ الوظيفة السياسية إحدى وظائف الإمامة:

للإمامة أربع وظائف أساسية في حياة الأمة هي: الوظيفة الدينية، والوظيفة السياسية، والولاية التكوينية، والقدوة الاجتماعية، ولا تقوم الإمامة على فكرة التصدي السياسي فحسب ـ كما هو الشأن عند بعض الفرق الإسلامية والشيعية الأخرى ـ، ومن ثم لا يُقاس دور الإمام والإمامة بعنصر واحد أحد هو التصدي للثورة والخروج على النظم الجائرة.

2ـ الثائر لا يدّعي ـ بالضرورة ـ أنّه الإمام:

إنّ قيام ثائر ما ـ سواء أكان من العلويين كالشهيد زيد بن علي بن الحسين، أم من غيرهم كالحسن الهرش ـ ليس دليلاً كافياً في إثبات إمامته، ومن ثم لن نعدم وجود أدلة تاريخية في بعض المصادر ترينا أنّ زيد بن علي كان يسلّم بإمامة المعصومين الإثني عشر عند الإمامية، بدءاً من الأربعة السابقين: (علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، والسجاد)، ومروراً بأخيه الإمام الباقر، ثم أولاد الباقر بدءاً من الإمام الصادق إلى ختام الإمام المهدي.

وقد روي عن يحيى بن زيد قال: «سألت أبي ـ عليه السلام ـ عن الأئمة، فقال: الأئمة اثنا عشر: أربعة من الماضين، وثمانية من الباقين، قلت: فسمّهم يا أبه، قال: أما الماضون: فعلي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومن الباقيــن: أخي الباقر، وبعده جعفر الصادق ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده محمد ابنه، وبعده علي ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده المهدي ابنه، فقلت له [والسؤال من يحيى بن زيد لأبيه]: يا أبه ألست منهم؟، قال: لا..، ولكنّي من العترة، قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟، قال: عهد معهود عهده إلينا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ «( ).

3ـ اختلاف الباقر وزيد، ودور السلطة في تثبيت إمامة الموادع:

متى حصلت ثورة الشهيد زيد ؟، ومتى توفي الإمام الباقر حتى يؤيد ثورة أخيه زيد أو يعارضها؟، ونسوّغ لأنفسنا أن نقول: «وقد اختلف مع أخيه؛ لكون الباقر لم يرَ المعارضة للسلطة القائمة، وكان متصالحاً مع الراهن«، و«أنّ للسلطات القائمة دوراً في تثبيت إمامة من لا تخشاه في تهديد سلطتها«.
ألا يحقّ لنا أن نتساءل: من أين تناهى للبعض اختلاف زيد مع أخيه الإمام الباقر في معارضة السلطة السياسية، وثورة زيد بن علي لم تقع إلا عام 121هـ، بينما توفي الإمام الباقر عام 114هـ، أي أنّ ثورة زيد وقعت بعد سبع سنين من وفاة الإمام الباقر، وكانت في زمن الإمام الصادق ؟!
وإذا اعتقدنا أنّ إمامة الباقر وولده جاءت مدعومة من السلطات؛ رغبة منها «في تثبيت إمامة من لا تخشاه في تهديد سلطتها ،«فعلام جابهتهم بالسجن والقتل والنفي والإقامة الجبرية، ولم تفرش الأرض من تحت أرجلهم بالزهور؛ لإخماد المشروع المقاوم، ودعم المشروع الموادع؟!

4ـ هل كان الأئمة سلبيين تجاه الواقع والثورات؟!

وعندما تقول التغريدة: «حين قال الصادق قاصداً زيد بن علي: (رحم الله عمي، فلو ظفر لوفى)؛ متناسياً أنّ أباه رفض أن يقود ثورة العلويين، وكأنّني بالصادق يقول ضمنياً: بأنّ قلوبنا معك، وسيوفنا ليست معك، وليست حتماً عليك. أي اللامبالاة والسلبية تجاه الواقع، ورفض حركة التغيير«.

وتقول: «ومن هنا لابدّ أن نعيد قراءة تاريخ الإمامة التي يثبت التاريخ أنّها لم تسهم حقيقة في تغيير مسار التاريخ، وبأنّ وجودها وعدمها سيان على أرض الواقع«.
نقول باستغراب: إنّ هكذا حكم تاريخي واستنتاجي عام ومطلق يحتاج إلى قراءة تاريخية استقرائية واسعة وسابرة؛ لاستخراج الحكم، فهل اتكأت هذه القناعة على سعة اطلاع على كتب التاريخ ومصادره؛ لترى دعم الأئمة أو انكفاءهم عن دعم ثورات عصرهم؟!، و«اللامبالاة والسلبية تجاه الواقع، ورفض حركة التغيير«؟!

إنّ الموضوع بُحث كثيراً، واختلف فيه الكتاب بين من يرى دعمهم للثورات العلوية النزيهة، ومن يناقش ذلك، ومن باب المثاقفة التاريخية يمكن أن نسوق مجموعة من النصوص التاريخية التي تبين دعم الأئمة لثورة الشهيد زيد بن علي، وثورة الشهيد الحسين بن علي (شهيد فخ)!!

أـ ثناء الإمام الباقر على ثورة زيد قبل حصولها:

أثنى الإمام الباقر على ثورة أخيه زيد قبل حصولها، وقد روي عن محمد بن مسلم أنّه قال: «دخلت على زيد بن علي ـ عليه السلام ـ، فقلت: إنّ قوماً يزعمون أنّك صاحب هذا الأمر قال: لا..، ولكنّي من العترة، قلت: فمن يلي هذا الأمر بعدكم؟، قال: سبعة من الخلفـاء، والمهدي منهم.
قال ابن مسلم [وهنا بيت القصيد]: ثم دخلت على الباقر ـ عليه السلام ـ، فأخبـرته بذلك، فقال: صدق أخي زيد، صدق أخي زيد، سيلي هذا الأمر بعدي سبعة من الأوصياء، والمهدي منهم، ثم بكى ـ عليه السلام ـ، وقال: كأنّي به وقد صُلب في الكناسة ـ يا ابن مسلم ـ، حدثني أبي عن أبيه الحسين قال: وضع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يده على كتفي، وقال: يا حسـين، يـخرج من صلبك رجل يُقال له زيد يُقتل مظلوماً، إذا كان يوم القيامة حُشر وأصحابه إلى الجنة« ( ).

ب ـ دعم الإمام الصادق للثورات العلوية:

لقد دعم الإمام الصادق الثورات العلوية بشكل عام، وقال عنها: «ولا أزال وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد، ولوددتُ أنّ الخارجي من آل محمد خرج وعليّ نفقة عياله« ( ).

ج ـ ثناء الإمام الصادق على ثورة زيد:

وحين حصلت ثورة زيد في زمن الإمام الصادق ، واستُشهد فيها زيد، ألهب مقتله لواعج الإمام الصــادق ، فقال: «رحم الله عمي زيداً، لو ظفر لوفى، انّما دعــا الــى الرضا من آل محمد، وأنا الرضا«( )، وقال محرّضاً على الانخراط في ثورة زيد وإجابة نداءاته واستنصاره: «ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه«( ).

د ـ نعي الامام الصادق ـ عليه السلام ـ لعمه زيد:

عن عبد الله بن سيابه قال: «خرجنا ـ ونحن سبعة نفر ـ فأتينا المدينة، فدخلنا على أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ فقال: أعندكم خبر عمي زيد ـ عليه السلام ـ؟، فقلنا: قد خرج أو هو خارج، قال: فإن أتاكم خبر فأخبروني. فمكثنا أياماً فأتى رسول بسّام الصيرفي بكتاب جاء فيه: (أمـا بعـد: فإنّ زيـداً قـد خرج يوم الأربعاء غرّة صفر، فمكث الأربعاء والخميس، وقُتل يوم الجمعة، وقُتل معه فلان وفلان)، فدخلنا على الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ، ودفعنا إليه الكتاب، فقرأه وبكى ثم قال:
إنا لله، وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب عمي، إنّه كان نعم العمّ، إنّ عمي كان لدنيانا وآخرتنا، مضى ـ والله ـ عمي شهيداً كشهداء استُشهدوا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وعلي والحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم«ـ ( ).

هـ ـ تمني الإمام الصادق إسهامه مع زيد:

وقد روي عن الفضيل قال: «انتهيت الى زيد بن علي ـ عليه السلام ـ صبيحة خرج بالكوفة فسمعته يقول: من يعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟، فوالذي بعث محمداً بالحقّ بشيراً، لا يعينني منكم على قتالهم أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة بإذن الله.

قال: فلما قُتل اكتريت راحلة، وتوجهت نحو المدينة، فدخلت على الصادق جعفر بن محمد ـ عليه السلام ـ، فقلت في نفسي: لا أخبرته بقتل زيد بن علي؛ فيجزع عليه، فلما دخلت قال لي: يا فضيل، ما فعــل عمـي زيـد؟، قال: فخنقتـني العـبرة، فقـال لي: قتلـوه؟، قلـت: إي ـ واللـه ـ قتلـوه، قال: فصلبوه؟، قلت: إي ـ والله ـ صلبوه، فأقبل يبكي، ودموعه تنحدر على ديباجتـَي خده كأنّها الجمان، ثم قال: يا فضيل، شهدتَ مع عمـي قتال أهل الشام؟، قلتُ: نعم، قال: فكم قتلتَ منهم؟، قلتُ: ستة، قال: فلعلّك شاكّ في دمائهم؟ قال: فقلتُ: لو كنتُ شاكاً ما قتلتهم. قال: فسمعته وهو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، مضى ـ والله ـ زيد عمي وأصحابه شهداء، مثل ما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه«( ).

و ـ ثناء الإمام الرضا على ثورة زيد:

ولما ثار زيد بن الإمام موسى الكاظم (زيد النار) ضد المأمون العباسي في البصرة، وظفر به المأمون، وهب دمه إلى الإمام الرضا ، وقال معاتباً: «يا أبا الحسن، لئن خرج أخوك وفعل ما فعل، لقد خرج قبله زيد بن علي فقُتل، ولولا مكانك مني لقتلته، فليس ما أتاه بصغير«، فرد عليه الإمام الرضا مؤيداً ثورة زيد بن علي بن الحسين، وقال: «يا أمير المؤمنين، لا تقس أخي زيداً إلى زيد بن علي ـ عليه السلام ـ؛ فإنّه كان من علماء آل محمد، غضب لله ـ عزّ وجلّ ـ، فجاهد أعداءه حتى قُتل في سبيله، ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ أنّه سمع أباه جعفر بن محمد يقول: رحم الله عمي زيداً، إنّه دعا إلى الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفى بما دعا إليه، وقد استشارني في خروجه، فقلت له : يا عم، إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك. فلما ولى قال جعفر بن محمد: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه.
فقال المأمون: يا أبا الحسن، أليس قد جاء فيمن ادّعى الإمامة بغير حقّها ما جاء؟!، فقال الرضا ـ عليه السلام ـ: إنّ زيد بن علي ـ عليه السلام ـ لم يدّعِ ما ليس له بحقّ، وإنّه كان اتقى لله من ذاك، إنّه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد، وإنّما جاء ما جاء فيمن يدعي أنّ الله نصّ عليه، ثم يدعو إلى غير دين الله، ويضلّ عن سبيله بغير علم، وكان زيد ـ والله ـ ممن خوطب بهذه الآية: ﴿جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ«( ).

ز ـ تشجيع الإمام الكاظم لشهيد فخ:

وقد أيّد الإمام موسى الكاظم ثورة الحسين بن علي (شهيد فخ)، ولما رآه عازماً على ثورته قال له: «إنّك مقتول فأحدّ الضّراب، فإنّ القوم فسّاق، يظهرون إيماناً، ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنّا لله، وإنا إليه راجعون، وعند الله أحتسبكم من عصبة»( ).
وحين استُشهد الحسين بن علي (شهيد فخ) وأصحابه، وجي‏ء بالرؤوس إلى المتسلطين من رجال الحكم العباسي (إلى موسى والعباس)، وقيل للإمام الكاظم: هذا رأس الحسين؟، قال : «نعم..، إنّا لله، وإنّا إليه راجعون، مضى ـ والله ـ مسلماً، صالحاً، صواماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»( ).

ح ـ إدراك الخليفة الهادي لتأييد الإمام الكاظم لشهيد فخ:

وقد أدرك الخليفة العباسي الهادي تأييد الامام الكاظم لثورة الحسين (صاحب فخ)، ونقل العلامة المجلسي موقف الخليفة العباسي الهادي فقال: «وأخذ من الطالبيين، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر ، فنال منه، قال: والله ما خرج حسين إلا عن أمره، ولا اتبع إلا محبته؛ لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله إن أبقيتُ عليه»( ).

ط ـ تفجع الإمام الجواد على شهيد فخ:

وقد أعلن الامام الجواد موقفه من ثورة الحسين بن علي (شهيد فخ) والثوار الذين خرجوا معه، فقال : «لم يكن لنا بعد الطفّ مصرع أعظم من فخ»( ).

عالم دين