العباءة الخرساء
في غزوة بدر كان المسلمون قلة متكاتفين في وجه الباطل المتمثل في أكابر قريش، ولكن قريش اليوم لا يجرؤ أحدٌ على مواجهتهم، الله يؤكد علينا غير مرة أن النصر للقلة إذا صبروا وتوكلوا، ثم يسوق الأقسام المغلظة والشواهد الناصعة على صدق هذا المدعى والله خير الصادقين، إلا أن المصداقية القلبية لهذا الحديث متزلزلة !
المحسوبون على الدين كقطر السماء يرتدون العباءة الفاخرة ويؤمونالناس للصلاة ولكنها جوفاء لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، الوضيع الفقير بين أيديهم مسحوق بلا كرامة والشريف الثري الغارق في المنكرات يبجل وتطول ديباجه التحيات له ويسبحون بحمده ويقدسونه، آلهة في ثوب بشر يعبدنها من دون الله، فمتى تستيقظ الفطرة التي أغرقت بركام المصالح والشهوات؟!
رغم الثورات المنتشرة والنضج الشعبي الكبير إلا أن قلة الحياء تتسع عند بعضهم، فهم يتسمون باسم الدين ويعتاشون على موائده السمينة، ثم ما يلبثون حتى يحرقون الأخضر واليابس بنيران فتاواهم المستعرة والمنجرة لشهوة السلطان، هم عبيد البلاط كـ (دوار الشمس) يتحركون وفق شهوة الفرعون، إلا أن العلاقة عكسية بين اتساع رقعة قلة الحياء عندهم وبين مصداقيتهم في أذهان وقلوب الشعوب الواعية.
لعنة التاريخ ستحاصر وستنال من (شريح العصر)، وكل (سامري) يركض خلف لذاته وحطام شهواته التي ستهرول عنه، دعوة الأم المجروحة ستشن عليهم حربها بسهام ليلها المكلوم، ودعوات المصلين المحتجة ستشهرهم عُقيب كل صلاة وبالاسم.
إلى كل ذي عباءة خرساء تقتات على الدين :لماذا لا تقفون في وجه الظالم لنصرة المظلوم، أوليس : (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)؟!، أنتم زعماء الأمة فلماذا كل هذا الخدر، وكل هذا الجبن وكل هذا الصمت الذريع؟!، أنتم أبطال أمتنا ولكننا بلينا بقادة وعلماء ترتعش فرائصهم لقول كلمة الحق ثم يسوقون الذرائع وما يستعصي على فقيه مخرج !
الحكمة تقع في الجيوب والضرائب لا تحلو لهم، (الأيام دول) فأفيقوا من داء الرعاش، الأمة تعرف الشجعان ومن يفرون من المواجهة والميدان، أما يكفي أن نفقه فلسفة الحديث : (ظالم سيفي أنتقم منه وأنتقم به)؟!
فما لهذه العباءاتالشاحبة لا تنهض بمسؤوليتها، أين فرامل العجلة المسرعة خلف المصلحة الدائرة معها حيثما دارت، عباءة السوء هي التي تدوس على القرآن لبلوغ المرام، لا تبالي أن تقول لآيات الذكر هذا فراق بيني وبينك إذا ما سلمت لهم المعيشة !
أين رجال الله المخلصين؟! أين من لا تأخذهم في الله لومة لائم؟! أين صناديد الحق الذين لا يخشون رهبة المدافع؟! أوليس : (الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً)؟! نعم شاهدنا رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولكن كلمات التأسف التي تحترق لأجلها القلوب لأولئك الذين نحترمهم ونقدرهم وهم لا يعرفون للحركة طريقاً .