من أسرار الزهراء
(السلام عليك وعلى السر المستودع فيك)، كل حياة فاطمة أسرار، من ولادتها حتى يوم شهادتها، بل إن هذه الأسرار لا حد لها، وفي كل يوم لها كنوز تنثرها نثراً، فالرحى لها قصة ومهد الحسين له حكاية وتسبيحها وعبادتها في محرابها كل أولئك لهم حديث يطول.
ولكن من أراد أن يقرأ الزهراء ويبحث عن بعض تلك الأسرار عليه أن يثب إلى حديث خطابها الملتهب الذي كان ولا يزال ثورة في كل صعيد، المقام يجبرنا أن نأخذ كما يأخذ المنقار من المحيط الهادر، قالت فاطمة (عليها السلام) رداً على أبي بكر: " سبحان الله، ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته" إلى أن قالت (عليها السلام) : "كلا، بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون".
هذا الخطاب غاية في الخطورة وهي تجابه الجميع وتكشف عن حقيقة مؤلمة هي أن البعض يمارس دور الغدر والزور والكذب مطيتهم، ثم تصف الزهراء (عليها السلام) هذه الممارسة بأنها مشابهة للغوائل التي تعرض لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته.
ثم أحضرت مقالة يعقوب النبي (عليه السلام) الواردة في القرآن الكريم : (بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً)، وهذا الأمر تعتبره الزهراء جريمة كبيرة سمتها : (الغدر)، أدواتها : (الزور)، نتيجتها مشابهة : (لعمليات الاغتيال التي تعرض لها النبي الكريم في حياته) ومن أراد حجم تلك المحاولات الفاشلة عليه أن يرجع لبطون التاريخ ليعرف التفصيل.
لم ينتهي حديث الزهراء (عليها السلام) عند هذا السطر، إنما ختمت خطابها الخطير، بحديثهاعن خطورة الكسب الحرام وأن هذا الكسب أحد الأقفال التي تحجب القلب عن فهم آيات الله وتدبرها، فالأعمال السيئة تشكل طبقة على القلب، فيظل المتأول عن طريق الجادة، والأشر من كل ذلك جريمة (الاغتصاب) الشنيعة التي تندد بها الزهراء وتتوعد، إذ تقول (سلام الله عليها) : "معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوبهم أقفالها؟
كلاّ، بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم، وساء ما به أشرتم، وشرّ ما منه اغتصبتم! لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغبّه وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه (من البأساء) والضراء، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون".
لم تجد الزهراء بعد هذا الحديث من يدٍ ناصرة ولا معين على رد حقها المغتصب في (فدك)، فلم يكن منها إلا الصبر الجميل وهو منهج الأنبياء، وحتى لا يفرح المغتصب تبشره قائلاً : (لتجدنّ والله محمله ثقيلاً، وغبّه وبيلاً)، ولكن العيون التي تبتلع الحرام لا تعلم أنما تأكل في بطنها النار، لهذا أشارت عن الموعد الذي تظهر فيه الحقائق محددة ً : (إذا كشف لكم الغطاء).