عمارة يوسف بالهند !
يوماً كنت سائحاً بمدينة بومباي ، والتي تغير اسمها عام 1996 م إلي مومباي ، وهو الاسم الأصلي للمدينة ، إذ أستبدل بعد الاحتلال البريطاني للهند ، وكلمة مومباي مركبة من كلمتين ، ( مـو ) وتعني السعيد ، و ( باي ) وتعني الشخص أو السيدة ، وكذلك قيل البحر باللغة اللاتينية ، وبعد جمعها تصبح السيدة السعيدة أو البحر السعيد ، لكن بعد التعنت والمواجهات التي واجهها المندوب السامي البريطاني وجيشه بالمدينة الكبيرة ، واضطراب الوضع الأمني مع الهنود بقيادة الأب الروحي ماهاتما غاندي ، غيروا اسمها بدون الرجوع إلي ملكة بريطانيا إلي ( بومباي ) ، أي المدينة القنبلة .
في يوم الأحد وبخطأ مني ، توجهت إلي حي كلابا الدبلوماسي بالمدينة ، كي أسجل جوازي بالقنصلية السعودية ، فاكتشفت إن السفارة مغلقة واليوم إجازة رسمية! قررت أن لا أعود بخفي حنين، فتوجهت داخل المنطقة بالتاكسي القديم ، ثم ترجلت نحو مجمع العمائر الكبيرة التي تحيط بالحديقة ، فاقـتنصت فرصة الإجازة ووجود القاطنين ، فدخلت إحدى المباني ، وقد بدت قديمة ومستهلكة ، لكن تشعر إنها مفعمة بالحياة ، لصدى صوت الإنسان الخارج منها عبر نوافذها وأبوابها ، فتجرأت ودخلتها ، وبدأت بطرق أبواب الشقق واحداً تلو الأخر .
كان أول القاطنين مسلماً خمسينياً ، ويدعى يوسف ، فرحب بي بحرارة ، وأخبرته أني كاتب وباحث سعودي ، وأردت التعرف على سكان العمارة بإلقاء بعض الأسئلة الخفيفة ، وكيف الحياة الاجتماعية هنا ، فساعدني بالسلام على معظم الجيران تقريباً ، واستخلصت من البحث مايلي :
• يوجد بالعمارة ستة عشر ديناً ومذهباً ونحلاً .
• يوجد بالعمارة سبع لغات ، وإحدى عشرة لهجة ، وعدة ثقافات !
• ينتمي سكان العمارة إلي عدة عروق بشرية ، ويعودون إلي عدة مناطق من داخل وخارج الهند .
• يعمل سكان العمارة في عشرات القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة .
• أول مولود بالعمارة عمره الأن ثلاثون ربيعاً تقريباً ( جيل جديد ) ، وتخرج من الجامعة وتزوج وأنجب .
• لم تسجل مشاكل تذكر بتاريخ العمارة ، ولازال الجميع متعايشون ومتحابون ، والكل يحترم الأخر .
• الكل مشترك بصندوق نظافة العمارة ، والكل يشارك بالغسيل في يوم النظافة الشهري ، وخاصة السيدات .
يوسف الذي قابلته ، تعود أن يرسل في شهر رمضان المبارك أبناءه مع طبق رمضاني لكل سكان العمارة تقريباً ، وفي إحدى أيام رمضان أيضاً ، يجتمع معظم السكان وبإختلاف أديانهم وأطيافهم ومذاهبهم بسطح العمارة بالطبق الرمضاني ، ولو مجاملة ، فقط لتقوية الرابط الاجتماعي والإنساني ، لأنه شهر الله عند المسلمين .
عندما ننتـقل إلي العالم العربي ، يقف شعر رأسك مما تراه ! فلغتهم واحدة ، وعرقهم واحد ، ودينهم واحد وقبلتهم واحدة ، وقرآنهم واحد ، ومذاهبهم متقاربة بالتشريع ومتباعدة بالتطبيق ، والأرض تكاد تضيق بهم ، وكل يوم قيل وقال ، وهذا يكفر هؤلاء ، والضجيج يملأ قلوبهم وألسنتهم منذ مئات السنين ، وهذا مايسمى بثقافة التعايش .
وعوداً على ذي بدء ! تتكون كلمة دبي من ( دو ) وتعني إثنان ، و ( بي أصلها باي ) وتعني الشخص ، وتصبحان معاً دبي ، أي السيدتان الجميلتان ، وهما أسم أطلقه البحارة الهنود على خورفكان أسم دبي القديم بعد جلفار ، إذ يبدو شكل رأس الخور عند الولوج فيه على هيئة رأس فتاتان متقابلتان ، وجميلتان ، أي بنجاح التجارة بالمنطقة ورسم الإبتسامة على شفاه أهلها وزوارها من البحارة والتجار .