شبح البطون

أشمر عن ساعدي وأقلب أوراق الفنون التي تزغرد لها البطون، أعرف جيداً كيف ألعب لعبة السحر؟، أفتش عن تلك الخلطة العبقرية التي يتساقط من هولها آلاف الفحول!!

إن مطبخي أحد جنودي المخلصين، من هنا أحكم العقول والقلوب والعالم بأسره، من هنا أسيطر على المشاعر وأهيمن على الأنفاس وأرواح الجميع، إن هذه المقادير الأخاذة، وهذه التوابل المجنحة، لها نفوذ أتربع من خلالها عرش الصدارة، إنني أعتقد جازمة: إن أقصر الطرق لقلب الرجل بطنه، فمن يستطيع مقاومة الشذى؟!

جزء من ملذات الجنان التي يتحدث عنها القرآن ملذات الأطعمة اللذيذة والمشروبات الفاخرة، لا يتمكن العنصر البشري عامة مقاومة زقزقة المعدة، كيف برجل متعب يصهره الجوع؟!، لا ريب أن سطوة الأطباق ستدفعه للاستسلام ويرفع على الفور رايته البيضاء.

الخطة التي سأعدها يجب أن تكون محكمة الإتقان، أتناول القلم لأضع حذافير الهجوم: الطبق الأول: الخضروات المحشية المشكلة، الطبق الثاني: مثلثات السمبوسك باللحم، الطبق الثالث: دجاج مشوي بالفرن مع الرز، الطبق الرابع والخامس، ووو

أضع في قلب الجوال، كلماتي المحترفة والمزينة بالقلوب: «لا تنس موعدك، هذا النهار مع مائدة فاخرة، رائحة الأطباق ستجرك من كل ارتباط... بانتظارك على جمر»، أقذف بها في انشراح، لأواصل التكتيك، وتختمر في عقلي علامات السعادة على محياه؛ فيتضافر الحماس لأبلغ غاية التوقع، أضيف حبات البقدونس والنعناع في الحشوة الملكية، وأضع الزبادي والبهار الهندي فوق الرز، أكثر ما يهمني هذه اللذعات العجيبة التي تقلب الأطباق إلى مائدة خرافية تعرف الحريم صناعتها.

يقولون أن الرجال أمهر في الطبخ، سأقلب عصا التوازن لنرى مفعول السحر، قلبي يتحرك مع الساعة، لا أعرف كيف يخونني الوقت؟!، لا ريب أنه سيصل قبل الجهوزية، أرتمي على الجوال مجدداً؛ لأشغله بمهمة وليتضور جوعاً؛ فالشهية أفضل طباخ!

هذه الأطباق جاهزة للزفاف، والمائدة منصوبة، ووقع الأقدام قريب، حفلة إبداع كانت ألتهم ورائها أصابعه كما يقولون، هذه الروائح الشهية تنقل القاصي إلى أعتابي؛ حتى أن الجيران يتهامسون ويسيل من أفواههم اللعاب، الأنوف تحلق إلى مملكتي، تقبيل اليد والرأس وكلمات الإطراء، كلها تتراقص أمام عالمي الجميل، أشعر بالاعتزاز والنشوة، حققت كل أحلامي ومراداتي، إلا أنني لم أفطن لشبح الأطباق الذي يطالعني من حوض الغسيل!!