نطاق تحريف الواقع حالة نقدية

نطاق تحريف الواقع، سمة يتمتع بها « ستيف جوبز »، يراها الكثير بأنها سمة لا تجعل من التعامل معه إيجابيًا صالحًا، في حين يراها آخرون بأنها تبعث على التحفيز الابتكاري، الذي ينتج أعمالاً ابتكارية إبداعية. إن لغته المتذمرة بمثابة لغة استفهامية كاشفة، تستدعي تفعيل حالة التفكير المستمر وملاحظة ما لا يلتفت إليه الآخرون.

كيف تقرأ الآخر، لتحرك البوصلة باتجاهها الصحيح، مستثمرًا الفكرة. لتكون منتج نوعي. يقول جوبز: نطاق تحريف الواقع كان مزيجًا مربكًا من أسلوب الجاذبية البلاغية والعزيمة الصلبة واللهفة لتحريف أي حقيقة حتى تتماشى مع الغرض الذي يتحدث عنه. ويوضح بيل أتكينسون « بإمكانه خداع نفسه، وبالتالي فهذا النطاق يسمح له بخداع الناس ليؤمنوا برؤيته، لأنه قد اعتنقها وآمن بها في داخله ». وعليه فإن جوبز غير مستقر داخليًا لمدى تفاعلات الأفكار بذاته ورغبته العارمة في تقديم شيء مميز، يتناسب مع المستجدات الحياتية نوعيًا لا كميًا.

إن هكذا شخصيات فريدة يصعب التعامل معها، لمن هو مزدحم بالواقعية كواقع، مبتعدًا عن الرؤية المستقبلية في تغيير الواقع للأحسن. هكذا شخصيات تحتاج إلى رفاق عمل يتقنون التوغل في الذاتية والعقلية، يقطفون من بستانها ما هو ناضج، ويسعون في تهيئة سواه - الغير ناضج - لينضج. في أي عمل من الجميل وجود أناس يستوعبون فلسفة الفكرة وفهم الذات، وهذا مما لا شك فيه له إنتاجية مذهلة في حيثيات ما يقدم للآخر.

كان جوبز يؤمن في رؤيته بفلسفة الثنائيات في تصنيف الأشياء، ليجعلها بالنسبة لديه إما « ملهمين » أو « حمقى »، بحيث يكون العمل إما « الأفضل » أو « عديم القيمة تمامًا ». يصفه بيل أتكينسون: كان من العسير العمل تحت إمرة جوبز، لوجود فجوة كبيرة بين العباقرة والحمقى. قد يظن البعض أن هذه فلسفة مثالية - هذا خطأ -، حيث إن المثالية النرجسية، هي التي تتراقص بلا إنتاجية، أما المثالية المنطقية، هي الإنتاجية بذاتها - لهذا يجب التفريق -. قال جوبز: لقد تعلمت بمرور الأعوام، أنك إن كان لديك أشخاص رائعون، حقًا فلست بحاجة إلى رعايتهم. بالنتيجة أن تحريف نطاق الواقع لدى جوبز وإن كان - مقرفًا - فإنه يمثل حالة نقدية إيجابية، تستشرف المستقبل كخيوط شمس تشرق ذات صباح.

إذًا إن العمل الإداري الناجح، هو العمل الذي يمتلك حرية القرار وجرأة القرار، سعيًا في نوعية المنتج، الذي يبعد التقصير ويحتضن العمل الدؤوب. إننا نعيش حقيقة البطالة المقنعة إداريًا في مؤسساتنا الخدمية والرياضية بنسبة ما - عليك تقدير النسبة، تأمل -، التي تقصم ظهر أي إدارة، تسعى لتكون منتجة ونوعية. إن ثقافة الفكرة يصدق قياسها مجازًا بالقارئ الإلكتروني، القارئ الإلكتروني، الذي يوصف بأنه بليد، يهتم بالمحتوى القصير المستوفي للفكرة المراد إيصالها للمتلقي، التي تسمى في العرف الاجتماعي « الزبدة »، امنحه الزبدة، وكفى. وعطفًا يجتاحنا تساؤل، مفاده: لماذا في أي مشلكة غالبًا لا نخرج بحل يرضي جميع الأطراف ويفتح الشرفة ناحية الإنجاز والإنتاجية. إن النقاش في ردات الأفعال التي تنتجها المشكلة، لتبتعد عن المشكلة - الحدث الفعلي، الدرامي -، يجعل من المشكلة رهينة ساحها بدون حل، وستكون كل الكلمات في ردات الأفعال، هي الواجهة. إن أي فكرة قد تكون في جوهرها تحمل قيمة إلا أنه قد تفسدها آلية ترجمتها على أرض الواقع. لكم ذبحتها القيم ازدواجية القيم وتمييعها لدى عشاق الازدواجية والتمييع، لتتراقص على استغباء الآخرين.

كان « ستيف جوبز » رجل الفكرة وعاشقها المتيم بها، استفحلت خطاه ناحيتها بشغف، يمتلك ثقافة الصراحة، لأنه مغرم بالنهائيات النوعية القيمة. إنه لضروري أن يعيش ويتعايش المجتمع بفئاته معها - ثقافة الصراحة -، إن كان يهفو ليكون متميزًا فعالاً بأبهى صورة وحلة. نهاية في الماضي والحاضر والمستقبل شركة « آبل » تقدم منتجاتها بنوعية إنتاجية لكل العالم. قد يرجع ذلك وإنما هي ليس قد ولكنها حتمًا، ستيف جوبز كانت الفكرة لديه ذات أهمية ومركزية، كذلك العاملون في شركة « آبل ». إننا في عصر الأفكار.

 

* المصدر:كتاب / ستيف جوبز، بقلم: والتر إيزاكسون
معلم لغة عربية