العيد وفلسفة السعادة
السعادة تعبير عما يكنه الإنسان أو ما ينعكس في باطنه من حالة وجدانية إيجابية تدفع بطاقاته الداخلية بعيداً عن مشاعر التعاسة والحزن والإحباط، لتنسيه أو تكاد أن تنسيه الآلام المتراكمة ومواقف الحياة الصعبة والمرة التي لا بد من حصولها، خالقة فيه أو منه إنساناً إيجابياً طموحاً فاعلاً مبدعاً قادراً على الصمود في وجه تحديات الحياة الصعبة ومتاعبها، بما يمتلكه بداخله من جذوة حماس وأمل ومشاعر إيجابية. وبقدر ما تبدو لنا تلك السعادة بسيطة، فهي معقدة جداً أيضاً، عندما ندخل في تفاصيلها.
وأياً يكن تعريفنا للسعادة، فستظل السعادة حلم كل إنسان وحلم البشرية جمعاء، بل حلم وهدف كل مخلوق في هذه الحياة، أياً كان مقدار ما يمتلك من شعور ووعي وإدراك.
وأما العيد من جهة أخرى، تلك المفردة الأخرى في مورد حديثنا هنا، فليس سوى مناسبة هامة، للتذكير بالسعادة وتجديدها وتأكيد أهميتها، وأما عبارة ”عيد سعيد“ التي نكررها في كل عيد، فهي إقتران بين ثنائي التوقيت والهدف، فالعيد مناسبة موقوتة لتأكيد حالة وجدانية غير موقوت، نريدها أن تستمر وأن تمتد لأقصى ما يمكن.
لكن تظل السعادة نفسها في العيد في الحقيقة، أكبر من أن تكون فقط ذكراً لفظياً أو مجرد ثياباً جديدةً أو حدثاً مؤقتاً ومناسبة عابرة يمكن احتواؤها في قوالب ضيقة، تقدم فيها أو عبرها. لذا فنحن مدعوون للعبور من قشور السعادة لجوهرها، عبر تأملات راقية تلامس الجوهر.
وإذا أيقنا بذلك، فسندرك أن السعادة تحتاج منا وعياً عميقاً وفهماً عظيماً وفلسفة جبارة، ولن تخلق تلك الفلسفة الجبارة وذلك الوعي العميق والفهم العظيم، إلا عبر تأملات وأسئلة جادة، تديرها عقول نيرة مشبعة بالمعرفة.
لذا، تأتي هنا الأسئلة الجادة، كممر أو قنطر للسعادة، عبر فهمنا لفلسفة السعادة، وفتح تلك الأسئلة لملفات السعادة السرية، حيث لا يمكن في هذا العالم أن تسعى للسعادة وديمومتها أو تعزيزها دون أن تمر على تساؤلات جادة من قبيل: التساؤل حول تناقضات السعادة الفردية والسعادة الجمعية، ولن يمكن أن تعيش السعادة الحقيقية دون أن تمتلك قدرة على الإجابة على تساؤلات من قبيل هل نحن على استعداد لإسعاد أعدائنا؟ أو هل يستحق هؤلاء الأعداء منا أن نسعى لسعادتهم في الوقت الذي يقاتلون فيه لإتعاسنا وإيذائنا؟. وهكذا نأتي لواقع الحياة وكيف تدار السعادة ويتم تقاسمها أو مشاركتها بيننا، فوق أرض الواقع بكل تشكلاته وإشكالاته.
وفي هذا العصر، تثار عبر العالم، أسئلة جادة حول دور وسائل السوشال ميديا كتويتر وفيسبوك وتيك توك وغيرها، في تعزيز ونشر خطابات الكراهية، ويتم النقاش في إمكانيات السيطرة عليها وكبحها، وفي المقابل يتم نقاش تعزيز المحتوى الرقمي الدافع باتجاه المحبة والمعزز لها، وتطرح التساؤلات حول استحواذ الميلياردير إيلون ماسك على تويتر ودوره في كبح جماح الكراهية في هذا العالم أو تعزيزه ذلك، وهذا الجدل والنقاش كله بالطبع يقع في ظل جوهر موضوع السعادة وتعزيزها.
ويظل موضوع السعادة موضوعاً عظيماً وعميقاً ومهماً، وحري بنا أن نخلق للسعادة مناسبة بل مناسبات لتذاكر فلسفة السعادة، لندفع فهمنا للسعادة لأقصى غاياته الممكنة، وقد لا تكون هناك مناسبة ضخمة لتذاكر السعادة ومحاولة فهمها كمناسبة العيد، لكن قبل تذاكر فلسفة السعادة وفهمها، لابد أن نتساءل: هل نحن مؤهلون لتذاكر السعادة وفهمها حقاً؟!.
هذا سؤال آخر يندرج تحت أسئلة السعادة، ولن تنتهي أسئلة السعادة، ويجب أن لا تنتهي، إلا بوصولنا لعمق يرتقي بحياتنا ووعينا لما هو مناسب، ونحن هنا لن ننهي هذا المقال، حتى نتذكر مفردة السعادة مجدداً، لنقول لكم جميعاً في هذا العيد: ”عيد سعيد، وكل عام وأنتم بخير“، وإلى السعادة أقرب، وهذا هو السطح، فهل نصل إلى العمق؟!.