من فلسفة الزيارة
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم الى قيام يوم الدين
يحج المؤمنون هذه الايام لكربلاء الحسين في اعظم تظاهرة انسانية ابرزت مدى مفاعيل ذلك الحدث في الامة بشكل اجلى للعالم عظيم نتائجه حيث بلغ عدد زوار تلك البقعة الطاهرة اكثر من عشرين مليون زائرا هذا العام 1435 هـ.
يحفزنا هذا الحدث لنكتب متأملين في فلسفة تلك الزيارة ومفاعيلها على ارض الواقع فكانت هذه السطور المتواضعة .
الزيارة في اللغة تعني الوفود على المزور للقائه ولذلك تتحقق الزيارة بمجرد بلوغك محل المقصود بالزيارة ، نعم من كمال الزيارة إلقاء التحية ، وهذا مايجعلنا نجد في مأثور اهل بيت العصمة عليهم السلام ذلك الكم المتنوع من النصوص التي تتلى عند زيارة مقاماتهم عليهم السلام ، وإذا ما لحظنا بعض تلك النصوص للزيارات فسنجد طابع الرثاء النثري التي ابدعها وصاغها الشارع المقدس بنصوص قمة في الإحكام ، فهي مليئة بعبارات الثناء والتمجيد وذكر الفضائل والمقامات السامقة للمعصوم عليه السلام .
إن قراءة الزيارة المنصوصة تقوم بوظيفة إرساء وترسيخ جملة معتقدات وحقائق متصلة بأهل البيت عليهم السلام في قلوبنا ، كما وتضفي بعدا واعيا في هذه العلاقة من خلال تجلي المفاهيم من نصوصها ، وهذا ما يؤكد ضرورة فقه دلالات تلك النصوص المقدسة وتأمل عبائرها لاستخراج لآلئ معرفتهم عليهم السلام.
ولكن بعيدا عن عملية التحليل النصي تلك واستكناه دلالاته احاول هنا ان أُعمل تأملات في ذات الزيارة كممارسة وشعيرة لأتعرف معكم على ما تحمله من رمزية كونها شعيرة من الشعائر ، فيا ترى ماذا تعني هذه الممارسة حين نعمد الى مقام من تلك المقامات ونقوم بزيارتها ؟
الزيارة في حقيقتها تمثل شكلا من اشكال العرفان والشكر للمزور ، كما واعترافا بأهمية المزور ودوره ، اضف الى ان الزيارة تقوم بتعميق الرابطة بالشخصية المزورة وما تمثله من قيم ونهج ، وتعبير آخر للنصرة له ولنهجه ، حيث أن الزيارة ممارسة تُعلي من القيمة الاجتماعية للمزور في المجتمع ، وتعزز رؤيته ونهجه في اوساط المجتمع ، مما يحقق بذلك امتدادا اجتماعيا لحركته وثقافته ، الامر الذي يبقيها حية نابضة على مر السنين والازمنة في وجدان الامة.
كما ان تشريع الزيارة لمقامات اهل بيت العصمة عليهم السلام يفيد بأن تلك الرحمة الالهية المتمثلة بأهل البيت الاطهار عليهم السلام لازال فيضها يتواصل ولم ينقطع ، مما يعني أن بإمكان كلٍ منا استنزال غيث تلك الرحمة واستظلال فيئها من خلال زيارتهم ، عبر قصد مراقدهم المقدسة إذ هم "الرحمة الموصولة" كما في نص الزيارة الجامعة لهم عليهم السلام ، أي المتواصلة التي لم تنقطع عنا ولن تنقطع عن اهل الارض ، هذه الحقيقة التي جهلها الجاهلون واهتدى اليها المؤمنون كما في دلالات زيارة أئمة البقيع عليهم السلام حين نقول " لك المن بما وفقتني وعرفتني بما اقمتني عليه إذ صد عنه عبادك وجهلوا معرفته ،واستخفوا بحقه ومالوا الى سواه ".
وفي الاخير لا نملك إلا الاكبار والإعظام لتلك الجموع الزاحفة لزيارة سيدها ومولاها ورجاها ابي عبد الله الحسين عليه السلام وخاصة اولئك الذين تورمت اقدامهم وتغيرت الوانهم ولفحتها الشمس والبرد وهم يفدون مشيا على اقدامهم الى سبط رسول الله نصرة له وبراءة من اعدائه.
) اللّهُمَّ .. فارْحَم تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتي غَيْرتها الشَّمْسُ ، وَارْحَم تِلكَ الخدُودَ الَّتي تَتَقَلّبُ علىُ حُفْرَةِ أبي عَبدِاللهِ الحسينِ عليه السّلام ) كما عن امامنا الصادق عليه السلام.