العلمانية في فكر الإمام الشيرازي «1 - 2»
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين الصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم وظالمي شيعتهم إلى قيام يوم الدين.
العلمانية لمن قرأ سياق نشوئها في العالم الغربي سيعرف أنها ردة فعل تجاه التسلط التعسفي للمؤسسة الدينية على حياة الناس، وشرعنتها لسلوك السلطة السياسية الديكتاتوري الجائر والاستئثاري فجاءت العلمانية كثورة على الفهم الديني الكنسي للحياة ومن ثم أسست رؤيتها على فصل الدين عن إدارة الحياة بل عن الحياة ككل وقصره على الطقوس العبادية بين العبد وربه.
ولكون السياسة هو العنوان الأكثر بروزا وتماسا بحياة الناس عرف الإمام الشيرازي العلمانية بأجلى تمظهراتها بقوله « العلمانية: عدم تقيد الدولة بالدين أو فصل الدين عن السياسة» «1»، حيث أن العلمانية تعتمد في رؤيتها ومنهجها العمل على فصل الدين وإقصائه عن الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها من شؤون الناس العامة، وتبعا لذلك إقصاء المؤسسة الدينية عن كل ذلك.
وقد تجلت حقيقة موقف العلمانية من الدين في مواقف رواد العلمانية في عالمنا الإسلامي ومواقف الأنظمة والأحزاب التي اتخذت من العلمانية منهجا في الحياة وفي مقدمتها نظام أتاتورك التركي، وكيف أن تلك العلمانية عملت على إقصاء الدين بحرب تدميرية طالت كل مؤسساته.
ويرى الإمام الشيرازي في ظاهرة تفشي العلمانية في البلاد والمجتمعات الإسلامية أنها ناشئة من عاملين:
العامل الأول: حالة الضعف والانهزامية والاستلاب أمام الغرب.
فقد « استطاع الاستعمار عبر وسائله الخبيثة أن يبث في المسلمين روح الانهزام والإحباط، ويُفهم المسلمين بأنهم غير قادرين على التقدم في الحياة بمفردهم، بل لابد من الاستعانة بالمستعمرين والسير خلف الغرب، وحاول الغرب أن ينشر أفكاره العلمانية» «2».
وبالفعل وفي ظروف حالة الاستلاب والانهزام تلك قام الاستعمار بنشر العلمانية والترويج لها فكريا وثقافيا وإعلاميا، بكل ما أوتي من قوة إلى حد يصفه الإمام الشيرازي بـ «الهجوم الفكري»، مما أدى ذلك الهجوم في ظروف الانهزام تلك إلى التأثير على مجاميع واسعة ومؤثرة في العالم الإسلامي خاصة المثقفين منهم، حيث بدأت تلك المجاميع تتخذ من العلمانية منهجا لها في الحياة بحسب قراءة الإمام الشيرازي لذلك الواقع قائلا " انقسم المسلمون أمام هذا الهجوم الفكري «الغربي» إلى ثلاث جماعات:
الجماعة الأولى: فرقة اتجهت بكليتها إلى حضارة الغرب ومناهج حياته وأساليبه، فقد انحازوا إلى الغرب كليا في المناهج والأنظمة والتطبيقات وسائر الخصوصيات، وبذلك خسروا دنياهم آخرتهم، ودنيا غيرهم وآخرتهم، والعديد من المثقفين عندنا هكذا صنعوا، ولهذا تفشت الحركات العلمانية في المسلمين" «3».