الاستعداد للضيافة الربّانية
في الحديث عن الإمام علي قال: إن رسول الله خطبنا ذات يوم فقال:
«أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه.» «1»
في استقبال شهر رمضان الفضيل الذي خصّه الله تعالى بأنه أنزل فيه أعظم كتاب في تاريخ السماء لإسعاد البشريّة إلى الأبد، وخصّه الرسول الأكرم بأن وصفه بقوله: «وجعلتم فيه من أهل كرامته»، ينبغي علينا جميعا ممن نتمسك بمنهج أهل البيت أن يهيّئوا أنفسهم للاستفادة الكاملة من هذه الضيافة الربّانية العظيمة والشاملة.
وكذلك ينبغي علينا في شهر رمضان المبارك قراءة الخطبة النبويّة الرمضانية الشريفة، التي رواها الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه قراءة تأمّل وتدبّر، ومحاولة تطبيقها على الحياة العمليّة في أيام وليال هذا الشهر، كلٌّ حسب طاقته وقدرته. وتحويلها من منهج نظري إلى سلوكي يؤثر في تعاملنا مع نفوسنا، ومع الآخرين.
وكذلك ينبغي تلاوة القرآن الحكيم والتدبّر فيه، فهو المقياس الأدبي لسعادة الدنيا والآخرة، فمن اتّبعه سعد في الدارين، ومن تركه شقي في الدارين.
وهنا نشير إلى أهمية تنمية بعض الجوانب في حياتنا خلال هذا الشهر الفضيل:
1 ـ البناء الروحي المكثف
إنّ شهر رمضان هو شهر الله سبحانه وتعالى، اختصّ به دون باقي الشهور، فهو شهر لتنظيم حياة الإنسان، والتغيير نحو الأفضل، والتطهّر من كل دنس، والطاعة لله سبحانه.
وهو الطريق إلى تزكية النفس، وتطهيرها ولا يمكن الوصول إلى هذه المرحلة إلا عبر التصميم الجدي من كل واحد منا، وهنا يقول رسول الله «صلي الله عليه وآله»:
«لكل شيء زكاة وزكاة الأبدان الصيام» «2».
لقد تحدث الدين الإسلامي الحنيف على أن يكون للصيام تأثير إيجابي وعملي على سلوك الصائمين، وإن الصوم عن الطعام والشراب من غير أن تصوم الجوارح لا يصل إلى حقيقة الصوم وفلسفته.
وهذا ما تأكد عليه سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها:
«ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه.» «3»
2 ـ البناء السلوكي والاجتماعي والبعد العاطفي
لشهر رمضان المبارك دور في تحريك المشاعر والأحاسيس، بما جعل فيه من البرامج، وخاصة الصيام، الذي يجعل الإنسان يشعر بآلام الفقر ويعيش، ولو بنسبة، مآسي المحرومين، واهات الفقراء والمساكين، لذا ينبغي علينا جميعاً وخاصة من لديه القدرة المالية والاجتماعية الإهتمام أكثر من ذي قبل بالفقراء والمحرومين داخل البلاد، وخاصة في مناطقهم.
قال الرضا :
«إنما أمروا بالصوم لكى يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخر.» «4»
3 ـ البناء الثقافي
علينا الإهتمام الجاد لتكثير المجالس الدينية، والمحافل الثقافية، والبرامج الدينية لكل الأعمار، وإيجاد البدائل المناسبة لجذب الشباب إلى هذه البرامج والاستفادة منها، بفتح دورات تثقيفية قصيرة خلاله مثلاً، خاصة أننا في زمن يستهلك الإيمان استهلاكاً بلا حدود، القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، مما يفرض علينا الأخذ بكل أسباب الإنتاج الإيماني ليعوض ما يفقده، وكذلك التشجيع على حضور أماكن الأدعية الشريفة في أيام شهر رمضان ولياليه، وتشجيع أبنائنا لحضور صلوات الجماعة والاشتراك في حلقات تلاوة القرآن الحكيم، وإيجاد دروس التدبّر فيه، وتجويده وتفسيره، في كل مسجد، وحسينيّة، وسائر الأماكن العامة المناسبة، وخاصة أن هذا الجانب لم نولي إليه الاهتمام المطلوب.
وفي الختام ندعو الله سبحانه أن يوفق الجميع لصيامه وقيامه وأداء حقه وأن يعيده علينا وعليكم باليمن والبركة.