الرسول الأعظم في الخطاب القرآني
تناول القرآن الكريم بأهمية بالغة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم , فنراه يطلب التأدب مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم , و يقدم لنا منهج قرآني في كيفية مخاطبة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم , و تارة يحدثنا القرآن الكريم عن وجوب طاعته و فريضة الاقتداء به صلى الله عليه و آله و سلم , و تارة يدلنا على أسمائه و صفاته ليبين مقامه و منزلته , وفي أخرى يذكر حقوقه صلى الله عليه و آله و سلم على أمته , و ما أختص به صلى الله عليه و آله و سلم من خصائص , و القائمة تطول حول الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في كلام الله عز و جل , فمعاً أحبتي نسطر هذه السطور لنتعرف على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما يصوره القرآن الكريم .
لقد ذكر القرآن الكريم في سوره و آياته أربعة و أربعون أسماً للنبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم , و التي منها : الشاكر - النذير - الداعي - الشاهد - الشهيد - المبشر - السراج المنير - المنذر - الهادي . و كل هذه الأسماء الشريفة تحمل في طياتها معاني كريمة و مراتب شريفة للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم , فكل أسم منها جاء ليدلل على صفة عظمة و خصلة علو لسيد العظمة و إمام الرفعة .
هذا في جانب الآيات الشريفة , أما في جانب السور المباركة ففي القرآن خمس سور باسم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله و سلم , هي : طه , يس , المزمل , المدثر , محمد .
و كلنا يعلم ما للقرآن من دلالات في آياته و أسماء سوره , و بهذا يكون قارئ القرآن الكريم في ارتباط وثيق مع النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم كلما تلى آياته و رتل سوره و تدبر في معانيه , ليكون القرآن معلماً لتاليه في كيفية التأدب مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و يعرف منزلة خاتم الأنبياء من خلال ما دل عليه من أسمائه و صفاته صلى الله عليه و آله و سلم .
أن المتمعن في آيات القرآن الكريم , يرى بوضوح الخطاب القرآني الخاص مع سيد المرسلين , فنلاحظ في آياته المباركة الشريفة عدم مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله و سلم باسمه الصريح "محمد" هكذا مجرداً حين يخاطبه , بل يخاطبه بأسمائه و بما وصفه به , و من الأمثلة على ذلك قوله تعالى : ﴿طه «1» مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ و قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ و قوله : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ . هذا هو الأسلوب القرآني الكريم في مخاطبة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم , نجده يخاطبه بكل وصف حسن و كل أسم جميل , حتى في أشد ما خاطبه به في القرآن في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ .
كما أن القرآن إذا ذكر أسم الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله صراحة , يكون لبيان خصوصية ما للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم , و بعد ذكر أسمه المبارك "محمد" يلحقه بصفة الرسالة في الآية نفسها تكريماً لرسول الله , لقد ورد لفظ كلمة "محمد" في القرآن الكريم أربعة مرات كلها في سياق ما ذكرنا من ذكر الاسم الشريف تتلوه منزلة الرسالة و هي : ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ , و قوله : ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ و في الثالثة : ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾ , و في الرابعة ذكر بعد أسمه تصديق المؤمنين بما جاء به من رسالة و نبوة كما في الآية : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ .
و بهذه النماذج القرآنية و بغيرها يؤدبنا القرآن الكريم كيفية التأدب مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم , و بأخرى يأمرنا بالتأدب كما في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ , وقوله تعالى : ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ , فدلنا القرآن الكريم إلى أدب عظيم رفيع بعدم رفع الصوت أو الجهر في محضر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أثناء مخاطبته , و جعل خلاف ذلك العذاب الأليم .
و من هنا ينبغي الإشارة أيضاً إلى أن من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : عدم تقديم قول أحد على قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم , عدم تبديل المراد من حديثه و معناه , عدم تكذيب ما جاء به و أمر به صلى الله عليه و آله , عدم الكذب و الافتراء عليه , الصلاة عليه و على آله كلما ذكر صلى الله عليه و آله و سلم , الإقتداء و العمل بسنته , محبة ما يحبه و كره ما يكرهه , و من الأدب معه تعظيم آثاره و تقديس مسجده , و التأدب مع ذويه و قرابته كوالديه الطيبين عليهما أزكى السلام , و تعظيم أجداده الأكرمين , و كفيله أبو طالب عليه السلام , و كل من تولى و حظي شرف الرعاية لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و الكفالة كفاطمة بنت أسد و حليمة السعدية , و تكريم أصحابه المنتجبين ممن آمن به و صدق بما جاء به صلى الله عليه و آله و سلم .
ها هو القرآن العظيم يأمرنا بالتوسل برسوله صلى الله عليه وآله وسلم , في قوله تعال : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾ وهذا مما يدل على جواز التوسل به صلى الله عليه و آله و سلم , و قد روى المسلمون قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الدعاء لفاطمة بنت أسد عليها السلام : (اغفر لأمي فاطمة بنت أسد و وسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين) .
كما بين القرآن الجانب الأخلاقي من الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم , و وضحه بأحسن وصف و أبلغ بيان في قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) , كما وضح أهمية هذا الجانب من شخصية الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم في قوله تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) , جاء في وصف أخلاقه عن أمير المؤمنين عليه السلام : " يأكل على الأرض , و يجلس جلسة العبد , و يخصف بيده نعله , و يرقع بيده ثوبه , و يركب الحمار العاري" و كان صلى الله عليه و آله و سلم يلاطف الناس و يمازحهم , و كثير التبسم , عن أبي الدرداء قال : "كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذا حدث بحديث تبسم في حديثه . و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يداعب الرجل يريد به أن يسره " .
كما حرص القرآن الكريم و شدد و بالغ في ذكر وجوب طاعته صلى الله عليه و آله و سلم , و الاقتداء به , حتى قارب ورود ذكر طاعته في أربعين موضعاً من آيات القرآن الكريم , و تأتي دائماً ملازمة لطاعة الله عز و جل , و من أمثلة ذلك : ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴿ , و في قوله تعالى : ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ , ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ .
وطاعة النبي من طاعة الله و هي سبب للهداية و جالبة للرحمة كما في الآية , و تتمثل طاعته صلى الله عليه و آله و سلم و الاقتداء به في الالتزام بما جاء به من عند الله عز وجل , و امتثال أوامره , و منها الاستنان بسنته , و التأدب بآدابه , فهو حجة في قوله و فعله و تقريره صلى الله عليه و آله و سلم .
كما أشار القرآن الكريم إلى حق عظيم من حقوق النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم التي جعلها أجر رسالته و نبوته , و هو حق المودة في القربى , في قوله تعالى : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) , أن المودة في أوضح و أبسط معانيها تعني "المحبة" و أياً كان نوع هذه المحبة و درجتها في اللغة , يكفي في الدلالة على عظمتها و أهميتها أنها جعلت أجر الرسالة الخاتمة لخاتم الأنبياء , وجاء في مودتهم عليهم السلام , قول الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام (أول من يدخل الجنة أنا و أنت و فاطمة و الحسن و الحسين ) فقال علي عليه السلام : فمحبونا , قال النبي : (من ورائكم) , يذكر ابن حجر في صواعقه عن الإمام علي عليه السلام قوله (لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن) و روي عن الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : (حبي و أهل بيتي نافع في سبعة مواطن و أهوالهن عظيمة :عند الوفاة , و في القبر , و عند النشور , و عند الكتاب , و عند الحساب , و عند الميزان , و عند الصراط) .
و مما دلنا عليه القرآن الكريم من حقوق النبي العظيم صلى الله عليه و آله و سلم الصلاة عليه و التسليم له صلى الله عليه و آله و سلم , و ذلك في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) , فالصلاة عليه هي رحمة مهداة من الله لنا , الصلاة هنا في اللغة بمعنى الدعاء , و هي من الله رحمة ومن الملائكة تزكية و تطهير للذنوب و من الناس دعاء , وقد أوجبها الله على عباده تسع مرات في اليوم و الليلة في صلواتهم اليومية , حيث لا صلاة لمن لم يصلي على النبي وآله صلى الله عليه و آله و سلم , و جاء في فضلها أنها توجب كمال الدعاء و استجابته , و أنها أفضل و أعلى عمل يوم القيامة , و أنها ذكر إلهي و مغفرة للذنوب , قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : (صلاتكم علي مجوزة لدعائكم و مرضاة لربكم و زكاة لأعمالكم) كما وحذر من بتر الصلاة عليه في قوله : (من صلى علي ولم يُصل على آلي لم يجد ريح الجنة و إن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام) , و تستحب الصلاة عليه مئة مرة يومياً وألف مرة ليلة الجمعة و يومها , قال رسول الله صلى الله عليه و آله : (من صلى علي يوم الجمعة مئة مرة غفرت له خطيئة ثمانين سنة) , أما التسليم له صلى الله عليه و آله و سلم فهو كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام , حين سُأل عن ذلك فأجاب هو (التسليم له في الأمور) , وهذا يعني الانقياد و الطاعة المطلقة له صلى الله عليه و آله , و التسليم المطلق أمام جميع أحكامه و أوامره و نواهيه , قولاً و فعلاً .
هذا هو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما تحدث عنه القرآن الكريم و كما وصفه , و هكذا علمنا القرآن الكريم التأدب مع رسول الله صلى الله عليه و آله و دلنا على حقوقه , هكذا دلنا القرآن الكريم على صاحب الخلق العظيم . فالعظيم يصفه العظيم , و الكامل لا يدل عليه إلا الكامل , قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : (يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت ولا يعرفني إلا الله وأنت ولا يعرفك إلا الله وأنا) .