الحادث الذي أيقظني

كان أحمد رجلًا لا يعرف السكون. يعمل ويعمل، يسابق الوقت، يغرق في تفاصيل يومه بين الاجتماعات، الرسائل، والمشاريع المؤجلة. كان ناجحًا في نظر الجميع، لكنه في داخله، كان يعيش فوضى صامتة. نسي أن للروح حقًا، وللجسد نداءً يجب أن يُلبى.

استنزفته الضغوط حتى صارت أيامه نسخة مشوهة من بعضها. يستيقظ مثقل الرأس، ينسى كيف وصل إلى مكتبه، يحدّق في الشاشات وكأنها تبتلع ما تبقى من روحه. حتى نبضه... كان يتباطأ أحيانًا، وكأن قلبه يعلن العصيان.

وفي إحدى الليالي، بعد يوم طويل ومرهق، كان يقود سيارته عائدًا إلى منزله. أضواء الطريق كانت باهتة، ومقلتا أحمد تكادان تنغلقان رغم محاولاته أن يظل يقظًا. غفى غفوة... لا تتجاوز الثواني. لكن تلك الثواني القليلة كانت كافية لتقلب المشهد.

ارتطمت السيارة بالحاجز. صوت حاد، زجاج يتناثر، ثم سكون تام... كأن العالم توقف عن التنفس.

استفاق في المستشفى، والإضاءة البيضاء تحاصر عينيه. سمع صوت الأجهزة، وصوتًا خافتًا يقول: ”نجا بأعجوبة.“

عندها فقط شعر بالضعف... لأول مرة. دمعة سقطت دون إذنه. لم تكن دمعة ألم، بل دمعة وعي.

أيام لاحقة، جلس وحيدًا في غرفته. قلبه يخفق ببطء، كأنه يسأله: ”إلى متى؟“

فتح درجًا قديمًا في مكتبه، فوجد ساعة يد قديمة، هدية من والده، محفور على ظهرها:

”الوقت لا يعود، عش كما تستحق.“

كلمات كسرت شيئًا داخله. تذكر نفسه وهو صغير، يركض على شاطئ البحر، يضحك بلا سبب، يرفع وجهه للسماء ويراقب النوارس وهي تطير بحرية.

ثم هجم عليه طيف ذكرى أخرى... كانت تعود به إلى أيام الرحلات المدرسية، إلى المزارع الهادئة خارج المدينة، حيث الهواء نقي لا تشوبه ذرة توتر، والخضرة تملأ العين والروح. تذكر كيف كان يقف تحت ظل شجرة، يغمض عينيه ويتنفس بعمق كأنه يحتضن الحياة.

سأل نفسه: ”متى كانت آخر مرة شعرت بهذا الصفاء؟ بهذا الامتلاء؟“

في المرآة، لم يرَ فقط وجهًا مرهقًا، بل شبحًا لرجل كان يحلم أن يكون حيًا، لا آلة.

هناك، وسط الصمت، اتخذ القرار. لا ليغير نمط حياته فقط، بل ليسترد نفسه من بين أنياب الوقت.

بدأ بنوم مبكر. ثم أضاف مشيًا في الصباح، صمتًا يوميًا للتأمل، جلسات مع ذاته، ودفترًا صغيرًا كتب عليه: ”أنا أعود.“

ولأول مرة منذ سنين، بدأ يهتم بجسده كما يهتم بأعماله. صار يختار طعامه بعناية.

يأكل ثلاث وجبات صحية في اليوم، لا يتجاهل فطوره، ويحرص على أن تحتوي أطباقه على الخضروات الطازجة والفواكه الموسمية.

أقصى المأكولات السريعة من حياته، وأصبح يعد طعامه بيده أحيانًا، كأنه يطبب نفسه من الداخل.

أسبوعًا بعد أسبوع، تغير كل شيء. عاد الضوء لعينيه، صوته صار أكثر دفئًا، ضحكته حقيقية. صار لا يخاف الفراغ، بل يستقبله كمساحة للشفاء.

واليوم، يقول لكل من يلتقيه:

”كنت أعيش، لكنني لم أكن حيًا. التغيير ليس رفاهية... بل ضرورة. القرار بيدك.“

فهل ستنتظر حادثًا ليوقظك؟

أم ستبدأ الآن... قبل فوات الوقت؟

أخصائي التغذية العلاجية