من مميزات الزهراء( عليها السلام )
من الصعب أن يلم الباحث بحقيقة الرسول (عليه الصلاة والسلام) وأهل بيته (عليهم السلام) أو يتعرف على حقيقتهم ومقامهم (عليهم السلام) حيث أن لهم القدر الرفيع والمكانة العالية عند الله تعالى، وربما لعدم قدرة العقول على معرفة كنههم وفهم وإدراك عنصرهم، جعل البعض يتجنب الحديث عن هذا الموضوع إلا بالنزر القليل؛ ولذلك أريد أن أتحدث فقط عن بعض مميزات سيدة نساء العالمين (عليها السلام). وأقول:
ونفهم من هذا أن الله تعالى جعل لفاطمة إعداداً خاصاً، وميزها بميزة فريدة، وما ذالك إلا لأمر مهم، وسر مبهم، لا تدرك عقولنا حقيقته وكنه معرفته، إلا أننا نردد: (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، والسر المستودع فيها).
وإذا أردنا أن تتوضح لنا الأمور بشكل أدق وأفضل، علينا بعد التعرف على مصدر خلق جسدها الطاهر، أن نتعرف على عظمة روح فاطمة (عليها السلام)، فعن جابر الجعفي أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) لِمَ سُميت فاطمة الزهراء، زهراء؟ فقال (عليه السلام): (لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وعشيت أبصار الملائكة، وخرت الملائكة لله ساجدين، وقالوا: إلهنا وسيدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمــة
يقومون بأمري، يهدون إلى حقي، وأجعلهم خلفائي في أرضي، بعد انقضاء وحيي)2.
وإذا ضممنا مع هذه الرواية ما روى الإمام الصادق (عليه السلام) في خلق الزهراء (عليها السلام) عن الرسول (عليه الصلاة والسلام) : (خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض والسماء...)3، نتوصل إلى أن الزهراء متميزة في خلقها وتكوينها النوراني.
وقد زفها النبي (عليه الصلاة والسلام) بنفسه إلى بيت علي (عليه السلام). قال المجلسي رحمه الله: (فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي (عليه الصلاة والسلام) ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي وأمر سلمان يقودها والنبي يسوقها فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي (عليه الصلاة والسلام) وجبة، فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألف، وميكائيل في سبعين ألف فقال النبي (عليه الصلاة والسلام): ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزف فاطمة إلى علي بن أبي طالب. فكبر جبرائيل، وكبر ميكائيل، وكبرت الملائكة، وكبر محمد (عليه الصلاة والسلام) فوقع التكبير في العرائس من تلك الليلة).
وفي الكشاف: عن النبي (عليه الصلاة والسلام) أنه جاع في زمن قحط، فأهدت له فاطمة رغيفين وقطعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها وقال: هلمي يا بنية، وكشف عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً، فبهت، وعلمتُ أنها نزلت من الله. فقال لها أنى لك هذا؟ فقالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل. ثم جمع رسول الله (عليه الصلاة والسلام) علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته حتى شـــــبعوا. وبقي الطعام كما هو،
وأوسعت فاطمة على جيرانها.
وهناك نصوص أيضاً بينت مكانتها في هذه الأمة، وأن لها المقام الأشرف كقوله (عليه الصلاة والسلام) أنها: (سيدة نساء هذه الأمة). وأنها: (سيدة نساء المؤمنين). وكل هذا يدل على أنها بلغت المقام الأعلى، وأنها في أوج الكمال وتتمتع بالطهارة والعصمة. وأنها إذا دخلت على رسول الله (عليه الصلاة والسلام) يقدر قدومها عليه بالإجلال والإكبار. قالت عائشة: (كانت إذا دخلت عليه(عليه الصلاة والسلام) قام إليها فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها، فأجلسها في مجلسه).
وكان يبين للأمة ما عليه فاطمة من مقام رفيع. كقوله (عليه الصلاة والسلام): (فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني) وقوله (عليه الصلاة والسلام): (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)، هذا ما ذكرته مسانيد المسلمين وصحاحهم، وهو كاف للمتأمل إن أراد أن يتعرف على شيء من مقام فاطمة وفضلها ومكانتها (عليها السلام) . ومن العجب كيف يتجرأ إنسان عليها بعد قول رسول الله (عليه الصلاة والسلام): (فاطمة أم أبيها).
قال صاحب الميزان: والجملة لا تخلو من دلالة على أن ولد فاطمة (عليها السلام) ذريته(عليه السلام)، وهذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم، فقد كثر الله تعالى نسله بعده، كثرةً لا يعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما حل عليهم من النوائب، وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة5. ومن لطيف
يا حـــــبذا دوحةٌ في الخــــلد نابتةٌ ما مثلها نبتت في الدوح من شجر
المصـطفى أصلها والـفرع فاطــمةٌ ثــــم اللـقـاح عـــليٌ ســيد الـــبــشر
والهاشـــميانِ ســبــطاه لها ثـــمرٌ والشـــيعةُ الـــورق الملـــتف بالــثـمر
ولما نزلت آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) 6، كان في بيت أم سلمة كما روى الثعالبي: (إذ أتته فاطمة (عليها السلام) بقطعةِ حرير، فقال النبي (عليه الصلاة والسلام): ادعي لي زوجك وابنيك الحسن والحسين. فأتته بهم فطعموا، ثم ألقى عليهم النبي (عليه الصلاة والسلام) كساءً له خيبرياً، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فنزلت آية التطهير، فقلت: يا رسول الله وأنا معهم؟ قال: إنك إلى خير، ولكنك لست منهم). وكان رسول الله (عليه الصلاة والسلام) ستة أشهر يتلوا على بابهم الآية الشريفة.
أهل بيتٍ طـهروا من دنــــسٍ ولهم في الحشرِ أعلى الدرجاتِ
فـــــــإذا ما ذكروا في مـحفـلٍ فـــــارفعوا أصواتكم بالصلواتِ
ولما نزلت آية المباهلة: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) 7.
ذكر المفسرون وكثير من الرواة ومفسري السنة8: أن رسول الله (عليه الصلاة والسلام) اختار للمباهلة علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه شر، وشرفٌ لا يسبقهم إليه خلق)9.
وبهذا يتبين أن فاطمة (عليها السلام) هي الوصل بين النبوة والإمامة، وهي الوحيدة التي شملتها آية التطهير، والفريدة التي خرجت مع الرسول (عليه الصلاة والسلام) للمباهلة، وهذا مما امتازت به عليها السلام.
فقد روى جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله (عليه الصلاة والسلام): (إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجة، ـ إلى أن تقول الرواية ـ عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركنا، كل ركن مرصع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد فتسير حتى تحادي عرش ربها جلَّ جلاله، فتزج بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي احكم بيني وبين من ظلمني، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله جلَّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي، سليني تُعطي، واشفعي تشفعي، فوعزتي وجلالي لأجازين ظلم ظالم).
فتقول: إلهي وسيدي شيعتي وشيعة ذريتي، ومحبي ومحبي ذريتي، فإذا النداء من قبل الله جلَّ جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبوا ذريتها؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة)9.
وروي عن طريق العامة بألفاظ مختلفة مثل ذلك. ومنه عن عائشة قالت: قال رسول الله (عليه الصلاة والسلام): (إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يا معشر الخلائق طأطئوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (عليه الصلاة والسلام)).
وبعد مقام الشفاعة ودخول الجنة يزورها الأنبياء والرسل من آدم إلى رسول الأمة محمد (عليه الصلاة والسلام) رزقنا الله وإياكم زيارتها وشفاعتها والحمد لله رب العالمين.