إنها الزهراء
الأستاذ / صالح عبدالله السعود مقال نشر في كتيب برنامج الليالي الفاطمية ( عروجاً إلى فاطمة ) بأم الحمام 1430هـ
احتضنت – بنت محمد (عليه الصلاة السلام) – رسالة أبيها ، فكانت القلب الدافئ ، والفكر المتقد ، والوعي العميق .. أخذت بقلب محمد (عليه الصلاة السلام) بمقدار ما تمثلت من رسالته البكر ، ونالت حبه بسعة ما تحملته من أعبائها .. فرآها رسول الله (عليه الصلاة السلام) أمه التي يرتمي في أحضانها من وعثاء الجاهلية ، فيبثها آماله ويستجلي معها معابر السماوات ..
أما زوجها – الذي اخترم الأجل حبهما قبل أوانه – فقد كان يكفيه نظرة سابحة من عينيها ، لِيعبَّا معاً من محراب العبادة ليلهما ، وساحة الجهاد نهاريهما .. أحبت في علي (عليه السلام) روحه الخفاقة ، فأرسلت له روحها ليحلقا بجناح واحد ، وعشقت منه توقد فكره فصهرت فكرها فيه .. فكانت قصة الهيام بينهما مجلى العشق الإلهي الخالص
وللحسنين عليهما السلام وهج ذلك الضياء المحمدي ، وثمالة ذلك الهيام العلوي ، لتغرس فيهما منابع الإمامة والقيادة ، وتعدهما لمواصلة مسيرة الرسالة المحمدية العلوية .. فكانا كما أعدت ، وكان معهما رفيقتاهما زينب وأم كلثوم .
ونبَع من فيض ذاك فضة وأسماء ، وسلمان المحمدي وأبو ذر.. وأسماء كثيرة اقتربت من ضياء الزهراء ، فأنارت دروبها ، ونالت حظوتها .
وكثير أولئك النساء – والرجال كذلك – اللواتي عشن مع رسول الله (عليه الصلاة السلام) وسمعن بدوي رسالته .. ولكن أين منهن فاطمة !؟
تلك الشعلة التي أزهرت الشموس بقبس من نورها ، وقامت الملائكة في صوامعها بصافي أنفاسها ، ويتهجد الأولون والآخرون بفاضل تسبيحها ولولا الطغمة الجهلاء لبسطت بنت الرسالة شعاعاً من فيض نورها ، وأحالت رمال الصحراء المتوقدة إلى شعل من نور ، ولسقت الإنسانية ماءً غدقاً ، قبل أن تسقيها من نهر الكوثر ، ثم تسوقها إلى الجنة زمراً ..