أيتها المرأة:كفى بعدا عن الزهراء (عليها السلام)
عزيزتي المرأة: أنت تحبين فاطمة الزهراء عليها السلام، هذا أمر لا أشك فيه، ولكن الحب يستدعي السير في طريق المحبوب للوصول إليه، وليس السير في الاتجاه المعاكس والابتعاد عنه.
فالحب ليس ادعاء أو كلمات تلوكها الألسن، الحب فعل وممارسة ومن دون ذلك لا يكون حبا.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
سيدتي العزيزة: أرجو أن تسألي نفسك هذه الأسئلة وأن تجيبي عليها بكل شفافية وصراحة:
- كم كتابا قرأت عن الزهراء عليها السلام؟
- هل تستطيعين كتابة مقال واحد عن حياة الزهراء عليها السلام مستعينة بمخزون ذاكرتك فقط؟
- ماذا تعرفين عن الزهراء عليها السلام في كل دور من أدوار حياتها المختلفة بنتا وزوجة وأما؟
- هل قرأت شرحا واحدا للخطبة الفدكية للزهراء عليها السلام؟
- هل تحفظين خمسة أحاديث في فضل الزهراء عليها السلام؟
- هل تحاولين في حياتك الاقتداء بسيرتها العملية الناصعة، وكيف ذلك؟
ربما وللأسف الشديد نجد أن بعض النساء تقرأ عن الفنانين والفنانات وتفاصيل التفاصيل في حياتهم الخاصة والعامة أكثر مما تقرأ عن الزهراء عليها السلام، فهل هذا دليل حب الزهراء التي نرجو شفاعتها يوم القيامة؟!!
المسألة في غاية الجد ولا تحتمل التأجيل، فإذا كنا نعتقد أن الزهراء سيدة نساء العالمين فلنجعلها كذلك في واقعنا، فلا سيدة أخرى فوقها، ولا صوت امرأة أخرى يعلو صوتها.
عزيزتي: هل تعرفين كيف وصلت سيدتنا الزهراء لهذا المقام؟! هل من خلال اهتمامها بالأمور المادية في حياتها من فساتين وعطور وماكياج وتسريحات، أم من خلال اهتمامها بالأمور المعنوية من علاقة عبادية خالصة لله تعالى وارتباط روحي خاص بسيد المرسلين (عليه الصلاة السلام) حتى أصبحت ( أم أبيها )، وحتى قال عنها وهو الذي لا ينطق عن الهوى: فداها أبوها، فداها أبوها، فداها أبوها. وكذلك من خلال رعايتها لبيت الزوجية الذي جعلت منه سكنا وسكينة فأنجب للعالم أطهر الناس: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا " ، أولئك الرجال الذين أصبحوا مثال الإنسان الكامل بشهادة سورة ( الإنسان ) التي نزلت فيهم، فمن أراد أن يكون إنسانا فلن يجد سبيلا خيرا من سبيلهم.
سيدتي: تأملي في هذه الصور من حياة فاطمة عليها السلام وانظري كيف كان يكثر رسول الله (عليه الصلاة السلام) التركيز على الصبر على مشاق الدنيا للفوز بنعيم الآخرة، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولذا اشترط على أوليائه الزهد في درجاتها الدنية فشرطوا له ذلك كما ورد في دعاء الندبة.
وقفت فاطمة الزهراء عليها السلام ذات مرة بين يدي أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر اليها ، وقد بدت آثار التعب على وجهها ، من شدة الجوع والكفاح ، فوضع يده الكريمة على صدرها ، ورمق السماء بطرفه ، وراح يدعو لها ، والدموع تترقرق في عينيه ، وهو يقول : « يا فاطمة تجرعي مرارة الدنيا ، لحلاوة الآخرة »
يقول جابر بن عبدالله الأنصاري رحمه الله : رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة ، وعليها كساء من أجلة الإبل ، وهي تطحن بيدها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : يا بنتاه تجرعي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة ، فقالت : الحمد لله على نعمائه ، والشكر لله على آلائه.
روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعدٍ : ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) ؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها ، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضرّ شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل .
فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده حداثاً ، فاستحيت فانصرفت ، فعلم صلى الله عليه وآله وسلم أنها قد جاءت لحاجة ، فغدا علينا ونحن في لحافنا ، فقال : السلام عليكم ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ، ثمّ قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف ـ وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً ، فإن اذن له وإلا انصرف ـ فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل ، فدخل وجلس عند رؤؤسنا ، ثمّ قال : يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمّد ؟ فخشيت إن لم نجبه أن يقوم ، فأخرجت رأسي فقلت : أنا والله اخبرك يا رسول الله ، إنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها ، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل .
قال : أفلا اعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم ؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدةً . فأخرجت فاطمة رأسها وقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله.
عزيزتي المرأة: هذا قليل من كثير من مدرسة الزهراء، فلنقتبس شيئا من نورها لنضيء به ظلام المكان والزمان ولنطهر أرواحنا من أوساخ الغفلة والنسيان.