النظرة السلبية الإنتقائية في شهر محرم الحرام
ما إنْ تقترب أيام محرمٍ الحرام إلا وتأتيك النصائح من كلِ حدبٍ وصوب، تارةً تكون هذه النصائح موجهةً للنساء وعن الحشمة وما إلى ذلك من نصائح تخصهن. وتارة تكون النصائح للشباب ودورهم في أيام عاشوراء الحسين -عليه السلام-، وحتى المضائف لم تسلم من تلك النصائح، خاصة أن الموجهين لتلك النصائح يريدوا(حسب رؤيتهم) أن يُظهِروا موسم عاشوراء بشكلٍ حضاري ومتفق مع القيم والمبادئ الإسلامية.
كل ذلك لا خلاف عليه؛ ولا يوجد شك في نواياهم، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل تلك النصائح لا نجدها إلا في موسم عاشوراء؟ ولماذا لا نجدها في مواسم أخرى؟ إننا قد نتفق معهم على أن موسم عاشوراء حالة خاصة واستثناء، ولكن ألا تعد تلك النصائح من القيم والمبادئ الإسلامية التي من المفترض أو الواجب أن يكون الجميع ملتزماً بها على مدى الأيام والأزمان؟! لا فقط في موسم عاشوراء!
هناك كثيرٌ من المخالفات الشرعية التي تحدث على مسمع ومرأى الجميع، غير أننا لا نجد تلك النصائح بذاك الكم الهائل الذي يظهر بموسم عاشوراء! وخير مثال على ذلك، تلك المهرجانات التي تقام سنوياً في المنطقة والتي بها الغث والسمين وانتهاك للحرمات، غير أننا نجد التصفيق والتطبيل لها بداعي الإنفتاح والتحضر!
لم نسمع أحداً قد انتقد تلك المهرجانات وما بها من أمور يندى لها الجبين، كما لم تخرج أي نصيحة موجهة للنساء أو الشباب للالتزام بالمبادئ والقيم! إلا القليل من المؤمنين الذي لم يُسمَع صوتهم أمام تلك الأصوات الصاخبة والتصفيق غير المبرر لتلك المهرجانات.
من جهة أخرى، يطالب البعض المضائفَ من تقليل الوجبات التي تطبخ باسم الإمام الحسين -عليه السلام-، والسعي لاعطاء مساعدات مالية وطبية للمحتاجين عوضاً عن الوجبات، حيث أن الفقراء والمحتاجين بحاجة للمادة أكثر من الوجبات. قد يكون الأمر صحيحاً، ولكن هل تلك المضائف الحسينية وظيفتها مساعدة المحتاجين مادياً؟
إن هذه الفكرة لا تختلف عن فكرة استبدال الناصفة "الروبيان والحلويات" بالعملة النقدية -التي انتشرت قبل عام تقريباً-؛ بحجة المحافظة على صحة الأطفال! وكأن الأطفال صحيين في كل الأيام ما عدا بناصفة شهري شعبان ورمضان.
كذلك، لا أعلم لماذا يتم المطالبة بالترشيد والتقليل بمضائف الإمام الحسين -عليه السلام- فقط! ونحن نرى كيف هو التبذير في ولائم الأعراس والمناسبات العائلية والمؤتمرات واللقاءات الإسلامية! فهل الأمر حرام مع مضائف الإمام الحسين -عليه السلام- وحلال في تلك المواضع؟! أليس من الأولى تقديم النصيحة لهم ؟!
إن مساعدة الفقراء أمرٌ واجب وعلى الجميع المشاركة فيها، إلا أن هناك جمعيات خيرية مخصصة للفقراء يجب أن يوجه لها السؤال في حال تقصيرها تجاه أي فقيرٍ في البلدة، أما مطالبة المضائف بتقليل الوجبات لمساعدة الفقراء فهذا يعني إلغاء هذه النعمة في المستقبل ولكن بصورة تدريجية كما يبدو ذلك في كل شعائر الإمام الحسين -عليه السلام-.
يقول الإمام أبو الحسن -عليه السلام- (من موجبات المغفرة إطعام الطعام). [وسائل الشيعة 21680 ص 329 ]، فكيف إذا ارتبط هذا الطعام باسم المولى الإمام الحسين -عليه السلام-؟ وهو من الأمور المستحبة لا شك ولا ريب كما ذكر مراجعنا العظام بهذا الخصوص في فتاواهم.
وإن سلَّمنا أن هناك إسراف، فبالامكان عمل لجان أهلية لتوزيع الأطعمة على المؤمنين وحتى المقيمين في نفس المنطقة. وهناك العديد من المقترحات في هذا المجال الذي لا يسع المقال لذكرها، ولها بحثها الخاص. والتي تغنينا عن الحد أو التقليل من تلك الوجبات التي هي بركة وطهر للبطون والنفوس في آنٍ واحد.
إن الأمر المضحك والمبكي في نفس الوقت أن أحد المهرجانات في المنطقة استهلك ما يقارب 50 ألف ريال لرمي "الدوخلات" في مياه الخليج في عادة اجتماعية سنوية قديمة ليست لها بعد ديني![1]. ومع ذلك لا نجد اي اعتراضٍ على ذلك الأمر، وهذا يعني أن مئات الآلاف ترمى دون حسيب أو رقيب. بل نجد أن هناك من يتفاخر بذلك كونه مشاركاً أو مساهماً في هذه العادة! ألا يجب صرف هذه المبالغ على الفقراء والمحتاجين؟ أم أن الأمر متعلق فقط بشعائر الإمام الحسين -عليه السلام-!
إننا حقيقة لا نلتفتُ إلى تلك الأمور التي ضيعت هوية البلد الشيعي من مهرجانات ومحافل وطرب صاخب، إلا أننا متيقضون وواعون جداً لتلك الأمور المرتبطة بالإمام الحسين -عليه السلام- ما إنْ يقترب موسم عاشوراء الحسين -عليه السلام-! حتى أصبح عاشوراء في مخيلة البعض أنه موسم المخالفات الشرعية؛ لا موسم العَبرة والعِبرة!
نعم، إننا بحاجة ماسة لتقديم النصائح والإرشادات للأخوة والأخوات، ولكن لا يكون ذلك انتقائياً لموسم ٍدون آخر، وإلا فــ ﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾.
نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا ممن يبذلون الغالي والنفيس لحضرة المولى أبي عبد الله الحسين -عليه السلام-، وأن يجعلنا ممن يقتدون بنهجهم صلوات الله عليهم وسلامه.