الإمام الحسين (ع) لا يريدُ منا البكاء!
ما إنْ يقتربُ شهر محرمٍ الحرام على حلوله؛ إلا وتجد«الشياطين الإنسية» تنفثُ عن خبثها وشُبُهاتها وتشكيكاتها بين المؤمنين، والتي للأسف قد تنطلي تلك الشبهات على البعض من باب حسن الظن، أو عدم الفهم الصحيح لمغزى العبارات.
والغريبُ في الأمر أن تشكيكات إبليس «لعنه الله» تبدأُ من يوم مقتل الإمام الحسين - أي اليوم العاشر - كما في الرواية الشريفة؛ غير أن الأباليس الإنسية اتخذت أيام قرب شهر محرم منبراً لبث سمومها وشبهاتها!
يقول الرسول الأكرم : «إن إبليسه «لعنه الله» في ذلك اليوم - يوم مقتل الإمام الحسين صلوات الله عليه - يطيرُ فرحاً، فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته، فيقول يا معاشر الشياطين... فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وأوليائهم حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم». [1]
وكثيرٌ هي تلك الشبهات التي تُنتشر في مثل هذه الأيام؛ على غرار «الإمام الحسين لا يريد قميصاً أسود»! أو «الإمام الحسين لا يريد منا البكاء» أو الحديث عن المضايف والإطعام*، وما أشبه ذلك! والتي لا يقول بها إلا جاهل وبعيد كل البعد عن روايات أهل البيت ومنهجيتهم .
إن المشكلة في أولئك الجهلة يخلطون الحق بالباطل في عباراتهم، لكي يوهموا الناس بها ويقبلوها، ومن هنا يقول أمير المؤمنين علي : «وإنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى. وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال، ودليلهم العمى، فما ينجو من الموت من خافه، ولا يعطى البقاء من أحبه». [2]
إن أدنى مطّلعٍ على روايات أهل البيت يكشفُ زيف تلك العبارات، ويعرفُ أنها مجرد شبهات شيطانية. ولكن ما نقول فيمن ابتعد عن الإسلامي المحمدي الأصيل وراح يشّرق ويغرّب، تارةً يأخذ معالم دينه من الفلاسفة والعرفانيين كابن عربي الزنديق والمثنوي، وتارةً من سيد قطب وأعداء أهل البيت .
هنا، أشيرُ سريعاً إلى أن مسألة لبس السواد من المستحبات التي أفتى فيها الفقهاء وأمروا الناس بمواساة أهل البيت بذلك. وقد روى عمر بن علي بن الحسين قال «لما قتل جدي الحسين بن علي «عليهما السلام»، لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكن لا يشتكين من حر ولا برد، وكان علي بن الحسين «عليهما السلام» يعمل لهن الطعام للمأتم». [3]
أما شبهة أن الإمام الحسين لا يريد منا البكاء، فإنها لا تستقيم أبداً، مع وجود العشرات من الروايات - إن لم تكن بالمئات - التي تحث وتأمر الناس بالبكاء والنحيب والصراخ على أبي عبد الله الحسين .
فقد ورد عن رسول الله أنه قال: «كل عينٍ باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين، فإنها ضاحكة مستبشرة». [4]
وقال الإمام الصادق : «من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمعٌ مثل جناح بعوضة، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر». [5]
والروايات في هذا الشأن مستفيضة جداً، ولا يسع المجال إلى ذكرها، بيد أن نشير إلى أن أهل البيت أولوا قضية الإمام الحسين عناية خاصة، وقد ركّزوا على مسألة البكاء تحديداً والثواب العظيم حيال ذلك، بل ليس البكاء فقط، وإنما التباكي أيضاً.
أفبعد كل ذلك؛ هل يصح أن تُطلق تلك العبارات الحمقاء على عواهنها؛ ويأخذ بها البعض على أنها من الفكر النيّر والحضاري؟! في حين أنها تخالف تعاليم أهل البيت وأوامرهم!
قال الإمام الصادق ": «اللهم أنّ أعدائنا أعابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس، وأرحم تلك الخدود التي تقلّبت على قبر أبي عبد الله الحسين ، وارحم تلك العيون التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا...». [6]